- والآخر: (التقوى) فقد وردت هذه الكلمة ومشتقاتها فى سورة " البقرة" ستا وثلاثين مرة، وهذا ما لم يك فى غيرها.
وفى مطلع كل سورة تكون مفردة من مفردات القرآن الكريم تذكر من بعد ذلك فى السورة على نحو لافت بمادتها وصيغتها أو مادتها فقط وعلى نحو لا يكون مثله مقدارا وكيفية فى أى سورة أخرى، وكذلك يتوارد فى السورة ما كان من الأسرة الدلالية لهذه المفردة وفى هذا آية على أنَّ دلالة هذه المفردة عنصر رئيس من عناصر المقصود الأعظم للسورة، فليس بقية السورة من بعد ذلك عمل عقيم أو عابث لا يجدى، فإنَّه تنزيل من عزيز حكيم عليم حميد، فمن النصح للقرآن الكريم تدبُّرا ملاحظة ذلك فى استبصار عناصر المقصود الأعظم للسورة.
ولما كانت التقوى أساسُها ملاحظة الله - سبحانه وتعالى - الذى هو الغيب المطلق ذاتا والشهود الحاضر فى الكون صفة وفعلا كانت التَّقوى قائمة على يقين راسخ بالغيب.
لهذا كان لسورة البقرة عنايةٌ خاصَّة وظاهرة بأمرالغيب والإيمان به، وبكلِّ ما هو من سبيله، وعلى رأسه الإيمان بالبعث، وقد انتشر ذلك فى السورة على نحو ظاهر:
فى قصة أبينا (آدم) - عليه السلام - إبراز لمعنى الإعلام بالغيب على نحو لا يتكرر فى هذه القصة فى سورة أخرى: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ (ي: ٣٠)
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لاعِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (ي: ٣٢)
﴿إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (ي: ٣٣)
وفى غيرهذه القصة جاء قوله- سبحانه وتعالى -: ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (ي: ٧٢)
﴿أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (ي: ٧٧)


الصفحة التالية
Icon