وفي هذا دعوة ربانية وإغراء كريم بالعكوف على تدبُّر البيان القرآنيّ والوقوف على اتساقه وتناسبه، فإنه لن يؤمن المرء بأن القرآن الكريم من عند الله - عز وجل - إيمانا مؤسسًا على علم وعرفان إلا إذا استفرغ جهده في هذا التدبّر، فهو من جليل العبادات.
مفهوم التدبر.
التَّدبُّر في لسان العرب: النظر الثاقب في أدبار الأمور والوقوف على ما تنتهي إليه.
وهو عند أهل العلم بكتاب الله - عز وجل -: العمل على تحقيق وتحديق النظر في ما يبلغه المعنى القرآني المَدِيدُ من درجات الهداية إلى الصراط المستقيم. وهذا نظر لا يتناهَى، فإن المعنى القرآني له أصل يبدأ منه ولكن منتهاه لا يكاد يبلغه أحدٌ من العباد، فصاحب القرآن الكريم في سفر دائم طلبًا للمزيد من المعنى القرآني.
وكلّ تَعَقُلٍ وتَفَكُّرٍ وتَفَقُّهٍ وتَفَهُّمٍ للبيان القرآني لا يحقق العلم بدرجة من درجات الهداية إلى الصراط المستقيم لا يكون من تدبر القرآن الكريم في شيْءٍ.
المبتغى إليه بالتّدبر.
إذا ما كان التدبر فريضة، فما المغزى الذي يُجَيِّشُ صاحبُ القرآنِ الكريمُِ وقدراته وووسائله ويجمع زادَه ليبلغه أو ليحوم حول حماه؟
أنزل القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله - ﷺ - ليكون هدى ورحمة وبشرى لعباده: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (الزمر: ٢٣)