إذا ما كان كثير من المعاني الكليّة التى هى معاقد بناء المعنى فى السورة قد صار مصرفاً فى أكثر من سورة، فإنَّ بعضَ المعانِي الكليّةِ قد خصَّت به سورةٌ دون غيرها من سور القرآن الكريم. وفى تدبُّر هذا ما يُعينُ على استبصار الروحِ المُهَيمِنِ على تلك السورة، ذلك أنَّ معالم ذلك الروح ستكون باديةً فى ذلك المعنى الكليّ المخصوص به تلك السورة.
قِصّةُ "البقرة" مثلاً لم ترد في غير سورة "البقرة"، وكذلك قصّة " هاروت وماروت"، وقصّة تحويل القبلة، وفريضة الصيام، وبيان أحكامها، وقصّة: " طالوت وجالوت " وقصّة الذين خرجوا من ديَارِهِمْ وهُم ألُوفٌ حذرَ الموتِ، وقصّة الذي حاج "إبراهيم " - عليه السلام - في ربّه، وقصّة الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصّة " إبراهيم " - عليه السلام - والطير، وأحكام المداينة...
كلُّ ذلك مما أختصت به سورة (البقرة) ولم يكن فى غيرها مما يدلُّ على أنَّ فى هذه المعاني ما هو أعلق بمقصود سورة البقرة من غيرها فلم تصرّف هذه المعانى فى ما دونها من السور.
وكذلك سورة (الكهف) إختصت بقصة أصحاب الكهف وقصة العبد الصالح - عليه السلام - مع موسى - عليه السلام - وقصة صاحب الجنتين وقصة ذى القرنين، وفى هذا دلالة على أنَّ فيما بين هذه القصص ما يُوحّد بينها من جهة وما يجعلها أشدَّ تناسباً بمقصودها الأعظم، فاختصت بها من دون غيرها من السور.
وتكاد كلّ سورة ولاسيما السور الطول والمئين تنفرد بمعنى كلّيّ لا يتصرّف في غيرها، مثلما تجد في كلّ سورة من الطول والمئين معنى هو تصريف معنى في سورة أخرى. (١)