كأنَّ الشيخ "دراز"ينظر إلى ما بين الآية رقم (١٦٣) :﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إلاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة: ١٦٣) التى عدَّها فاتحة الشطر التشريعي فى السورة، والآية رقم (٢٨٤) :﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: ٢٨٤) التى جاءت فى عقب تفصيل آيات الشطر العملي التشريعى. فإنَّ ما بين الآيتين جدُّ وثيق وغير خفيّ، فكأنَّ فيه ردَّعجزٍ على صدر.
(الخاتمة) :(ي: ٢٨٥-٢٨٦) فى التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة لتلك المقاصد وبيان ما يرجى لهم فى آجلهم وعاجلهم فإذا مقطع السورة بلاغ عن نجاح الدعوة ووفاء بوعدها لكل نفس بذلت وسعها فى اتباعها وفتح باب الأمل على مصراعيه أمام هؤلاء المهتدين.
ثُمَّ يختم العلامة (دراز) بيان نظام عقد المعانى فى سورة البقرة بقوله:
(... لئن كانت للقرآن فى بلاغة تعبيره معجزات وفى أساليب تربيته معجزات وفى نبوءاته الصادقة معجزات وفى تشريعاته الخالدة معجزات وفى كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات... إنَّه فى ترتيب آيه على هذا الوجه لهو معجزة المعجزات. (١)
وإذا ما كنت ذاهبًا إلى أنَّ تقسيم العلامة (دراز) سورة "البقرة" أفضل من تقسيمات أخرى فإننى أميل إلى أن السورة مكونة من مقدمة وقسمين كبيرين وخاتمة.
المقدمة من الآية (١-٢٠) مثلما أبان عنه العلامة (دراز)
والقسم الأول من الآية (٢١ - ١٦٧) من أول قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: ٢١)