والتشابه بين العقدين ابتداء وانتهاء جدّ واضح، وجدّ وثيق، وجاءت دعوة أهل الكتاب إلى الاسلام من بعد دعوة الناس كافة إلى عبادة ربهم - جل جلاله - وهم من جملة الناس تأكيدا لتلك الدعوة، ولأنَّهم أحقُّ الناس بالاستجابة لها والدخول فيها سراعا: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ (البقرة: ٤١) لأنهم أعلم الناس حينذاك بصدق الدعوة المحمدية، وإذا ما آمن أهل الكتاب بالاسلام كان ذلك أدعى إلى دخول غيرهم فيه أفواجا، لذلك بسطت آيات ذلك العقد بسطا وعظم القول فى أهل الكتاب ونَعَى عليهم كثيرا من أفاعيلهم وكتمانهم الحق وهم يعلمون، وتبديلهم قولا غير الذى قيل لهم، وتوليهم من بعد أخذ الميثاق عليهم أن يأخذوا ما آتاهم بقوة، ويذكروا ما فيه، وايمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض، وكفرهم بالكتاب المصدق لما معهم واعلانهم الايمان بما أنزل عليهم وكفرهم بما وراء ذلك، ونبذهم كتاب الله - سبحانه وتعالى - وراء ظهورهم كأنَّهم لا يعلمون، وودّهم ردّ المسلمين عن دينهم، وانكارهم تحويل القبلة، وكتمانهم ما انزل الله - عز وجل - من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس فى الكتاب، فكان هذا البسط اعتناءً بشأن دعوتهم إلى الاسلام.
***


الصفحة التالية
Icon