ولعلَّ هذا مما استمدّ منه "عبد القاهر" تبينه الطريق إلى تحقيق مقومات تمام بلاغة الخطاب في قوله:... «ومن المعلوم أن لا معنى لهذه العبارات [البلاغة والقصاحة..] وسائر ما يجري مجراها مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة وينسب فيه الفضل والمزية إليه دون المعنى غير وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها فيماله كانت دلالة ثم تبرجها في صورة هي أبهى وأزين وآنق وأعجب وأحق بأن تستولي على هوى النفس وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب وأولى بأن تطلق لسان الحامد وتطيل رغم الحاسد
ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته ويختار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأتم له وأحرى بأن يكسبه نبلا ويظهر فيه مزية»
(١)
تأمل قوله:" ويختارله اللفظ... " كيف أنّه أوجب في اللفظ المختار خمس صفات:
أن يكون أخصّ بالمعنى.
وأكشف عنه.
وأتم له.
وأحرى بأن يكسبه نبلا.
ويظهر فيه مزية.
فعبد القاهر كما ترى يهديك إلى أن المفردات التي منها يقوم بناء الخطاب البليغ المتسم بحسن الدلالة وتمامها وتبرجها في صورة بهية معجبة مفردات ليس لها بدائل تقوم مقامها، فليس ما يعرف بالترادف الذي تقوم فيه كلمة مقام أخرى في الخطاب البليغ ثُم لا يكون ثَمَّ أثر في بلاغته، وهذا ما يجعل المثابرة في التحليل البياني لمفردات الخطاب أساسًا يبنى عليه غيره.
إصطفاء القرآن الكريم كلماته من مفردات معجم العربية إنَّما كان ناظراً فيه إلى كثير من مكونات الكلمة المصطفاه من صوت وصيغة ومدلول ودلالة اكتسبها من روافد عدة، فمنحتها قدرة على أن تتناسج مع مفردات أخرى فى سياقات عديدة على أنحاء متنوعة.

(١) - دلائل الإعجاز: ٤٣


الصفحة التالية
Icon