إنَّ هذا يفتح بابًا من ورائه ما لايطاق، فقد يَمُدُّ بعض الناظرين القول فيما يتعلق بصفات الله - سبحانه وتعالى - وأفعاله، فيعدّ هذا من المجاز، وأن الله - عز وجل - لم يخاطبنا على ما عليه حقائق صفته وفعله، بل بما نعرف، فإذا قوله - جل جلاله -: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ... ﴾ (آل عمران: ١٨١) البيان بالسمع مجاز عن فعل من أفعاله وليس حقيقة.
ومثل هذا: ﴿... وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (آل عمران: من الآية٧٧)
وقوله - عز وجل - ﴿... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة: من الآية١١)
وغير ذلك من أفعاله وصفاته، والقول بأنّ هذا من المجاز الذي هو ضدّ الحقيقة مما أراه باطلا، وإن قال به بعض ممن يؤخذ عنه العلم (١)

(١) - ليس يخفى عليك أن عبد القاهر ممن يقول بالمجاز في أفعال الله - سبحانه وتعالى - وصفاته، وهذا مما لايسلّم له كمثل قوله بالكلام النفسي في القرآن الكريم مما لايسلم له، وقد بنَى نظرية في نظم القرآن الكريم على القول بالكلام النفسي لله تعالى، ولم يفرق بين نظم الكلام عند الخلق ونظم الكلام عن الله - سبحانه وتعالى -. القول بالكلام النفسي وترتيب المعاني في النفس قبل النطق بالكلمات نأخذ به فيما يتعلق بنظم العباد بيانهم، وذلك ما نراه من أنفسنا عند إنشاء بياننا عمّا هو مكنون في صدورنا من دقائق الفكر ورقائق الشعور فأنا من قبل أن أكتب لك هذه الحاشية مثلا زورت الكلام وأعددته في نفسي - وهذا هو الكلام النفسي - قبل أن يخطه قلمي، أمَّا في شأن كلام الله - سبحانه وتعالى - فالأمر ليس كذلك.
ليس ثَمّ كلام نفسي يسبق الكلام الذي أوحي.
ومن العجيب أن من الأشعريين من قال إن المعجز من القرآن الكريم هو الكلام النفسي، وهو القديم غير المخلوق، أمَّا ما أوحي وسمعه النبي - ﷺ - وأنبأنا به ونتلوه أناء الليل وأطراف النهار في مصاحفنا فليس هو الكلام القديم غير المخلوق، وليس هو الكلام المعجز.
أرأيت كيف زلت الأقدام؟!!!


الصفحة التالية
Icon