وهو يقرن بهذا البيان العاري ذلك البيان القرآنيّ العَلِيّ، فيبيِّن أنَّه الأبلغ: «أبلغ منه لفظ القرآن (١) ؛لأنّ الظمآن أشدَّ حرصَا عليه وتعلق قلب به، ثُمَّ بعد هذه الخيبة حصل على الحساب الذي يصيّره إلى عذاب الأبد في النار»
بيَّن لنا أنَّ كلمة «الظمأن» في نظمها هنا قد صورت لنا ما هو آخذ بالحاسب، فالصورة قد قامت على كلمة ساندتها كلمات، فهيَ أساس الصورة.
كذلك يرسم "الرماني" لنا منهاج النظر، ويقيم المعالم على طريق فقه الصورة البيانية في القرآن الكريم.
ثُمّ يضيف إلى هذا أنَّ هذا التشبيه لأعمال الكافرين بالسَّراب من حسن التشبيه.
وكلمة (حُسْن) من كثرة ما مرت على الآذان كادت بعض القلوب تغفل عن مدلولها.
الحُسن ما فاض عليه من نافلة العطاء من بعد أن توفَّى لك فريضة العطاء، ومنه الإحسان، فهذا شيءٌ "حسنٌ " أي جاءك بما هو فوق حقك، فأحسن إليك، ومن قدم إليك حقك عنده أحسن إلى نفسه أولا إذ عتقها من التَّبعة، ومن قدَّم لك ما فوق حقك فقد أحسن إلى نفسه وإليك معًا، فافترقا (٢)

(١) - أي نظمه وتصويره، فإن ائمة البلاغيين لا يريدون باللفظ مفردات القول بل الصورة النظمية التركيبية للمعنى. فهذا هو المناط الرئيس لبلاغة البيان ومناط المفاضلة.
(٢) - من الكلمات التي كادت القلوب تغفل عن مدلولها كلمة (جيّد) فقولنا: «وهذا قول جيد» قد يُظن أنّه نعتٌ له بما لايُبين عن عَليّ منزله، ولكنك إذا ما نظرت في معدن المدلول ومكنزه، وهو «الجود» رأيت أن الجيد هو ما كان بيِّن الجود، وما جاد عليك وأفاض، فهو الملِيء القادر الحميد، ومنه الجواد من الخيل: ما يعطيك من عدوه فوق ما تطلب ومن غير ما تطلب، فعلينا أن نحيي مدلول الكلمات في قلوبنا، فإنَّ إحياءها، ولا سيّما الكلمات القرآنية والنبوية من الخير الذي أظنّ أنه من العمل الصالح


الصفحة التالية
Icon