«وجه وضعها بعد سورة الحجر أنَّ آخرها شديد الالتئام بأول هذه، فإنَّ قوله فى آخر تلك: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: ٩٩) الذى هو مفسر بالموت ظاهر المناسبة لقوله - سبحانه وتعالى - هنا: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (النحل: ١)
وانظر كيف جاء فى المقدمة بـ «يأتيك اليقين»
وفى المتأخرة بلفظ الماضى؛ لأنَّ المستقبل سابق علىالماضى، كما تقرر فى المعقول والعربية.
وظهر لِى أنَّ هذه السورة: (أى النحل) شديدة الاعتلاق بسورة " إبراهيم" وإنَّما تأخرت عنها لمناسبة " الحجر فى "كونها من ذوات (الر) (١)
النظرة العجلَى في مقال " السيوطى " يسرِعُ إليها أنَّه لا يعدو ظاهر العلاقة ولا يتبيّن به المرء وثيق الاعتلاق بين السورتين على لاحب السياق الكلىّ للقرآن الكريم، وأنَّ دعْوَاه أنّه فُصل بين سورة "ابراهيم" - عليه السلام - و" النحل" وهما متأخيتان بالحجر؛ لأنّ " الحجر" من ذوات (الر) كسورة "ابراهيم" - عليه السلام - إنما هى دعوى لاتناسب، ولكنَّك إن تمهَّلت وتبصَّرت أمكنك أن تبصر في مقال السيوطي أمرًا لطيفًا:
لعلّك تبصر إشارة إلى أن سورة"الحجر" ذات اعتلاق بسورة "إبراهيم" - عليه السلام - وثيق مِنْ أنَّ كلاً مستفتح بقوله - سبحانه وتعالى - ﴿الر﴾ وهذا فيه إفادة أنَّهما شقيقتان ومن مخرج واحد وأن افتتاح سورتين بصيغة واحدة من صيغ ما يسمّى بالحروف المقطعة سيُغري القلب بالنظر فيما بين السورتين من تناسب أومأ إليه الافتتاح بهذه الصيغة.

(١) الجلال السيوطي: تناسق الدرر-ص: ١١١ تح: عبد القادر عطا (أسرار ترتيب القرآن)


الصفحة التالية
Icon