يدُلُّك شيخنا على أنَّك اذا مانظرت فى قصة سيدنا" موسى" - عليه السلام - فى ثلاث سور متوالية استفتحت استفتحا أطلق عليها اسم (الطواسيم) ألفيت أنَّ أحداث القصة لا تأخذ فى نهج التسلسل التاريخى الصاعد منذ الميلاد إلى الانتصار وزهق الباطل، بل تأخذ فى نهج التسلسل المعنويّ الصاعد للسور، فسورة (الشعراء) فيها مع تسلية النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وبيان سنة الله - سبحانه وتعالى - فى نصر الحق وزهق الباطل إظهار البطش والنقمة لمن خالف أمر الله - عز وجل -، فالجوّ الغالب عليها جو الانذار والعقاب لمن كذَّب؛ ليكون ذلك فى وجة تكذيب قريش وأعوانها واستهزائهم بالقرآن الكريم: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ (الشعراء: ٥-٦)
وقد جعل من لوازم معاقد المعانى الكلية فى السورة قوله - سبحانه وتعالى -:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الشعراء: ٨-٩)
وقد تكرَّر فيها ذلك ثمانى مرات عقب كل مقصد:
عقب قصة موسى - عليه السلام - (ى/١٠-٦٦) وعقب قصة إبراهيم - عليه السلام - (ى/١٢٣-١٣٩) وعقب قصة صالح - عليه السلام - (ى/١٤١-١٥٨) وعقب قصة لوط - عليه السلام - (١٦٠-١٧٣) وعقب قصة شعيب - عليه السلام - (١٧٦-١٨٩)
ثم جاء التعقيب بقصة مكذبي قريش ومناصريهم وموقفهم من القرآن الكريم وقد تكرر اسمه (العزيز) فى هذه السورة على نحو لم يتكرر فى غيرها، فقد جاء مقرونا باسمه (الرحيم) تسع مرات (١)