وأيضًا فلمَّا ثبت بالبقرة أمر الكتاب في أنَّه هدى، وقامت به دعائم الإسلام الخمس جاءت هذه [آل عمران] لإثبات الدعوة الجامعة في قوله - سبحانه وتعالى - (يَأيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا ربَّكُمْ) (البقرة: ٢١) فأثبت الوحدانية لله - عز وجل - بإبطال إلهية غيره بإثبات أنّ " عيسى" - عليه السلام - الذي كان يحيى الموتى عبدُهُ، فغيره بطريق الأوْلَى، فلمَّا ثبتَ أنَّ الكُلَّ عبيدُهُ دعت سورة" النساء" إلى إقبالهم إليه، واجتماعهم عليه.
ومما يدلّ على أنَّ القصد بها [أي آل عمران] هوالتوحيد تسميتها بـ"آل عمران" فإنَّه لم يعرب عنه في هذه السورة ما أعربَ عنه ما ساقه سبحانه وتعالى فيها من أخبارهم بما فيها من الأدلة على القدرة التامة الموجبة للتوحيد الذي ليس في درج الإيمان أعلى منه، فهو التَّاجُ الّذي هو خاصَّة الملك المحسوسة، كما أنَّ التوحيد خاصته المعقولة.
والتوحيد موجب لزهرة المتحلِّي به، فلذلك سمّيت الزهراء" (١)
هذه الوحدانية هي اللبنة الثانية في أساس الإيمان؛ لأنَّه إذا تقرَّر أنَّ الإله لابد أن يكون غيبا غير منظور أو ملموس، فإنَّه أيضًا لابدَّ أن يكون واحدًا، فكما أنه يتعاند مع معنى الألوهية أن يكون الإله مشهوداً منظورًا ملموسا يتعاند أيضًا مع معنى الألوهية أن يكون الإله غير واحد؛ لأنَّ هذا يترتَّبُ عليه فسادُ الكون والحياة فسادًا يقرره منطق العقل المُعافَى من الضلالة.
التعالق بين سورة " البقرة " وسورة " آل عمران " تعالق عظيم؛ لأنّهما قائمان على أمرٍ واحدٍ هو تقرُّرُ ما هو جوهرٌ في معنى الألوهية، وما يجب أن يكون أساسًا عظيما من أسس صفات الإله المعبود بحق: