وفي تسميته الإساءة في العمل: قولا وفعلا ظلمًا دلالة بينة على أنَّ من لم يجتهد في البلوغ بعمله: قولا وفعلا درجة الإحسان، فإنَّه ظالمٌ نفسَه أَوَّلا؛ إذ حرمها أن تكون مع المحسنين في الدنيا والآخرة، وصحبة أولئك هي النعيم العظيم، وإنّه أيضًا ظالمٌ أمَّتَهُ؛ إذ حرمها أن تنعم بنعمة ما هو الحسن قولا وفعلا، وقد حثّنا بيان الوحي قرآنا وسنة على أن نحسن إلى الصاحب بالجنب، فكيف بمن فوقه؟!!
وتدبر قوله - ﷺ - َ:" وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ " فإنّها هادية إلى الإبلاغ في ترويض النفس وتهذيبها وتدريبها على أن تسكن إلى الإحسان وإن تفردت به، ولم تجد لها عليه ناصرًا ومعينا.
وفي هذا هداية إلى أن العقبى لمن أحسن وإن قلَّ عددا، ، فلا اغترار لمسلم بما كثر عدده وساء عمله، ولا اغترار بأن الصواب مع الأغلبية، فلم تكن الأغلبية في معايير أهل الفضل أبدًا لكن في قوم يستنصرون بالدهماء والغوغاء، ولا ينظرون إلى الأمرِ فِي نفسه، بل إلى من هو قائم له وبه، فالحق عندهم ما قام به الأغنياء والصفوة من بطانة السلطان وحزبه، والقرآن الكريم يقررغير ذلك: يقرر أن أكثر النَّاس لا يعلمون:
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: ١١٦)
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: من الآية١٨٧)
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (هود: من الآية١٧)
إن ما جاء في بيان الوحي قرآنًا وسنة في الدعوة إلى الإنقان والإحسان لَجِدُّ كثير لا يتسع المقام للإشارة إليه.