الفصل الثانى: فقه وحدة سياق السورة ومقصودها الأعظم
***
أشرت فيما سبق إلى أن القرآن الكريم نزلت آياته منجمة فى ثلاث وعشرين سنة وأن الوحى كان ينزل بالآية أو ما دونها أو ما فوقها وينزل بتحديد ما نزل به فى سورته، فكان المُنَزَّلُ وموضِعُه وحيا من الحق - عز وجل -ذلك موضع اتفاق بين أهل العلم وكتاب الله - سبحانه وتعالى - أضحى بديهة ومسلمة لا ينازع فيها. وإذا ما كان موضع النجم النازل محدًدا توقيفا، فهذا يعنى أنَّ علاقته بما قبله وما بعده لا تتأثر بتقدمه أو تأخُّره عنه فى النزول، فتنجيمه لا يقتضى قطع علائق آيات السورة الواحدة ذلك أنَّ القرآن الكريم فى تنزله الأول إلى اللوح المحفوظ وتنزله الثانى إلى بيت العزة إنّما كان فى صورته الكاملة وكان فى عرضته الأخيرة على رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلا آيات قليلة جدًا نزلت ما بين رمضان وربيع الأول وكان فى صدر رسول الله - ﷺ - كمثله فى اللوح المحفوظ وبيت العِزَّة، وكذلك كان عند رحيل الرسول - ﷺ - إلى الرفيق الأعلى عند كثير من الصحابة المحافظين آياته وسوره (١)
وإذا ما كان تقسيم القرآن الكريم وتفصيله إلى سور عدتها أربع وعشرون ومائة سورة توقيفا من قبل الحق - جل جلاله - فإنَّ من فوائد هذا التفصيل كما يقول جار الله الزمخشرى «إنّ التفصيل سبب تلاحق الأشكال والنظائر وملائمة بعضها لبعض وبذلك تتلاخط المعاني ويتجاوب النظم». (٢)
(٢) - الكشاف: ١/٢٤١