المدخل إلى المنهج
نزَّل الله - عز وجل - القرآنَ الكريم ليكون آية على صحة نبوة عبده سيّدنا محمد بن عبد الله - ﷺ - وصدق دعوته وليكون تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين
وهذا يقتضِي أن يكون من بعد كمال الإيمان به حسنُ ترتيله وحسن تدبره والعمل بما فيه وتعليمه والدعوة إليه بلسان الحال ولسان المقال
ولهذا تسمع قول الحق - سبحانه وتعالى - مقررًا أنَّه قد أنزله مباركًا ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ (صّ: ٢٩) فهذه (اللام) في (ليَدّبّروا) و (ليتذكر) لام الغاية والحكمة، فمن لم يأخذ حظَّه من مدخولهما لن يأخذ حظه من بركته، فعلى قدر سعيك إلى اكتساب حظك من التَّدبُّر والتَّذكُّر يكون حظك من بركة هذا الكتاب العظيم، وقد وصف الله - جل جلاله - القرآن الكريم في مواضع بالبركة:
﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ (الأنعام: ٩٢)
﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأنعام: ١٥٥)
﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ (الانبياء: ٥٠)
والبركة من الكلمات الحبيبة التي تنشرح لها قلوب العباد، فإنَّها مرتبطة في وعيهم بالنماء والزيادة، وقد يغفلون عن معنى الثبات والدوام الذي تتضمنه الكلمة، فقرر بهذه الكلمة نَعْتينِ للكتاب:
تجدد عطائه ودوام نفعه.
ومن ثَمَّ حثّ على تدبره لاستخراج ما فيه من خير متجدد لا يزول ولا يحول ولا يغيض، فهو لا يَصْلُحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ وعصرٍ ومصرٍ فحسب بل هو يُصلِح كلّ ذلك ويقومه ويقيمه على سواء الصراط:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ (الاسراء: ٩)
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً﴾ (الاسراء: ٨٢)