"""""" صفحة رقم ٣١٥ """"""
بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان قيل وينبغي أن يكون الذكر في هذه الحالة بما قاله أصحاب طالوت ) ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التى ترجف فيها القلوب وتزيغ عندها البصائر
الأنفال :( ٤٦ ) وأطيعوا الله ورسوله.....
ثم أمرهم بطاعة الله فيما يأمرهم به وطاعة رسوله فيما يرشدهم إليه ونهاهم عن التنازع وهو الاختلاف في الرأي فإن ذلك يتسبب عنه الفشل وهو الجبن في الحرب الفاء جواب النهي والفعل منصوب بإضمار أن ويجوز أن يكون الفعل معطوفا على تنازعوا مجزوما بجازمه قوله ) وتذهب ريحكم ( قريء بنصب الفعل وجزمه عطفا على تفشلوا على الوجهين والريح القوة والنصر كما يقال الريح لفلان إذا كان غالبا في الأمر وقيل الريح الدولة شبهت في نفوذ أمرها بالريح في هبوبها ومنه قول الشاعر إذا هبت رياحك فاغتنمها
فعقبى كل خافقة سكون
وقيل المراد بالريح ريح الصبا لأن بها كان ينصر النبي ( ﷺ ) ثم أمرهم بالصبر على شدائد الحرب وأخبرهم بأنه مع الصابرين في كل أمر ينبغي الصبر فيه ويا حبذا هذه المعية التى لا يغلب من رزقها غالب
ولا يؤتى صاحبها من جهة من الجهات وإن كانت كثيرة
الأنفال :( ٤٧ ) ولا تكونوا كالذين.....
ثم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس وهم قريش فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التى مع أبي سفيان ومعهم القيان والمعازف فلما بلغوا الجحفة بلغهم أن العير قد نجت وسلمت فلم يرجعوا بل قالوا لابد لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر وتغنى لهم القيان وتسمع العرب بمخرجهم فكان ذلك منهم بطرا وأشرا وطلبا للثناء من الناس وللتمدح إليهم والفخر عندهم وهو الرياء قيل والبطر في اللغة التقوى بنعم الله على معاصيه وهو مصدر في موضع الحال أي خرجوا بطرين مرائين وقيل هو مفعول له وكذا رياء أي خرجوا للبطر والرياء قوله ) ويصدون ( معطوف على بطرا والمعنى كما تقدم أي خرجوا بطرين مرائين صادين عن سبيل الله أو للصد عن سبيل الله
والصد إضلال الناس والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية ويجوز أن يكون ويصدون معطوفا على يخرجون والمعنى يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصد ) والله بما يعملون محيط ( لا تخفى عليه من أعمالهم خافية فهو مجازيهم عليها
الأنفال :( ٤٨ ) وإذ زين لهم.....
قوله ) وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ( الظرف متعلق بمحذوف أي واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان لهم أعمالهم والتزيين التحسين وقد روى أن الشيطان تمثل لهم وقال لهم تلك المقالة وهى ) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( أي مجير لكم من كل عدو أو من بني كنانة ومعنى الجار هنا الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن الجار وكان في صورة سراقة بن مالك بن جشعم وهو من بني بكر بن كنانة وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم وقيل المعنى إنه ألقى فى روعهم هذه المقالة وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون ) فلما تراءت الفئتان ( أي فئة المسلمين والمشركين ) نكص على عقبيه ( أي رجع القهقري ومنه قول الشاعر ليس النكوص على الأعقاب مكرمة
إن المكارم إقدام على الأمل
وقول آخر وما نفع المستأخرين نكوصهم
ولا ضر أهل السابقات التقدم
وقيل معنى نكص هاهنا بطل كيده وذهب ما خيله ) وقال إني بريء منكم ( أي تبرأ منهم لما رأى أمارات النصر مع المسلمين بإمداد الله لهم بالملائكة ثم علل ذلك بقوله ) إني أرى ما لا ترون ( يعني الملائكة ثم علل بعلة