"""""" صفحة رقم ٣٥ """"""
بالمكلفين عند النزول فيحتاج في تعميم الخطاب لغيرهم إلى دليل آخر وقيل إنها جعلت محاربة المسلمين محاربة لله ولرسوله إكبارا لحربهم وتعظيما لأذيتهم لأن الله سبحانه لا يحارب ولا يغالب والأولى أن تفسر محاربة الله سبحانه بمعاصيه ومخالفة شرائعه ومحاربة الرسول تحمل على معناها الحقيقي وحكم أمته حكمه وهم أسوته والسعي فى الأرض فسادا يطلق على أنواع من الشر كما قدمنا قريبا قال ابن كثير في تفسيره قال كثير من السلف منهم سعيد ابن المسيب إن قرض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض وقد قال تعالى ) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ( انتهى
إذا تقرر لك ما قررناه من عموم الآية ومن معنى المحاربة والسعي فى الأرض فسادا فاعلم أن ذلك يصدق على كل من وقع منه ذلك سواء كان مسلما أو كافرا في مصر وغير مصر فى كل قليل وكثير وجليل وحقير وأن حكم الله فى ذلك هو ما ورد فى هذه الآية من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ولكن لا يكون هذا حكم من فعل أي ذنب من الذنوب بل من كان ذنبه هو التعدي على دماء العباد وأموالهم فيما عدا ما قد ورد له حكم غير هذا الحكم فى كتاب الله أو سنة رسوله كالسرقة وما يجب فيه القصاص لأنا نعلم أنه قد كان فى زمنه ( ﷺ ) من تقع منه ذنوب ومعاص غير ذلك ولا يجري عليه ( ﷺ ) هذا الحكم المذكور فى هذه الآية وبهذا تعرف ضعف ما روى عن مجاهد فى تفسير المحاربة المذكورة فى هذه الآية أنها الزنا والسرقة ووجه ذلك أن هذين الذنبين قد ورد فى كتاب الله وفى سنة رسوله ( ﷺ ) لهما حكم غير هذا الحكم
وإذا عرفت ما هو الظاهر من معنى هذه الآية على مقتضى لغة العرب التى أمرنا بأن نفسر كتاب الله وسنة رسوله بها فإياك أن تغتر بشيء من التفاصيل المروية والمذاهب المحكية إلا أن يأتيك الدليل الموجب لتخصيص هذا العموم أو تقييد هذا المعنى المفهوم من لغة العرب فأنت وذاك اعمل به وضعه فى موضعه وأما ما عداه فدع عنك نهبا صيح في حجراته
وهات حديثا ما حديث الرواحل
على أنا سنذكر من هذه المذاهب ما تسمعه أعلم أنه قد اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وأبو ثور إن من شهر السلاح فى قبة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله وبهذا قال مالك وصرح بأن المحارب عنده من حمل على الناس فى مصر أو فى برية أو كابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة قال ابن المنذر اختلف عن مالك فى هذه المسألة فأثبت المحاربة فى المصر مرة ونفى ذلك مرة وروى عن ابن عباس غير ما تقدم فقال فى قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض وروى عن أبي مجلز وسعيد ابن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدى وعطاء على اختلاف فى الرواية عن بعضهم وحكاه ابن كثير عن الجمهور وقال أيضا وهكذا عن غير واحد من السلف والأئمة وقال أبو حنيفة إذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه إن شاء قطع يديه ورجليه وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه وقال أبو يوسف القتل يأتي على كل شيء ونحوه قول الأوزاعي وقال الشافعي إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلى لأن هذه الجناية


الصفحة التالية
Icon