"""""" صفحة رقم ٣٥٣ """"""
يظهر لهم أن ذلك من تحريف سلفهم لغرض من الأغراض الفاسدة قيل وهذه المقالة إنما هى لبعض النصارى لا لكلهم قوله ) ذلك قولهم بأفواههم ( الإشارة إلى ما صدر عنهم من هذه المقالة الباطلة ووجه قوله بأفواههم مع العلم بأن القول لا يكون إلا الفم بأن هذا القول لما كان ساذجا ليس فيه بيان ولا عضده برهان كان مجرد دعوى لا معنى تحتها فارغة صادرة عنهم صدور المهملات التى ليس فيها إلا كونها خارجة من الأفواه غير مفيدة لفائدة يعتد بها وقيل إن ذكر الأفواه لقصد التأكيد كما في كتبت بيدي ومشيت برجلي ومنه قوله تعالى ) يكتبون الكتاب بأيديهم ( وقوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقال بعض أهل العلم إن الله سبحانه لم يذكر قولا مقرونا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان قولا زورا كقوله ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( وقوله ) كبرت كلمة تخرج من أفواههم ( وقوله ) يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ( قوله ) يضاهئون قول الذين كفروا ( المضاهاة المشابهة قيل ومنه قول العرب امرأة ضهياء وهى التى لا تحيض لأنها شابهت الرجال قال أبو علي الفارسي من قال ) يضاهئون ( مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء فقوله خطأ لأن الهمزة في ضاهأ أصلية وفي ضهياء زائدة كحمراء وأصله يضاهئون وامرأة ضهياء ومعنى مضاهاتهم لقول الذين كفروا فيه أقوال لأهل العلم الأول أنهم شابهوا بهذه المقالة عبدة الأوثان في قولهم واللات والعزى ومناة بنات الله القول الثاني أنهم شابهوا قول من يقول من الكافرين إن الملائكة بنات الله الثالث أنهم شابهوا أسلافهم القائلين بأن عزير ابن الله وأن المسيح ابن الله قوله ) قاتلهم الله ( دعاء عليهم بالهلاك لأن من قاتله الله هلك وقيل هو تعجب من شناعة قولهم وقيل معنى قاتلهم الله لعنهم الله ومنه قول أبان بن ثعلب قاتلها الله تلحاني وقد علمت
أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
وحكى النقاش أن أصل قاتل الله الدعاء ثم كثر في استعمالهم حتى قالوه على التعجب في الخير والشر وهم لا يريدون الدعاء وأنشد الأصمعي يا قاتل الله ليلى كيف تعجبني
وأخبر الناس أني لا أباليها
) أنى يؤفكون ( أي كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل
التوبة :( ٣١ ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم.....
قوله ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( الأحبار جمع حبر وهو الذى يحسن القول ومنه ثوب محبر وقيل جمع حبر بكسر الحاء قال يونس لم أسمعه إلا بكسر الحاء وقال الفراء الفتح والكسر لغتان وقال ابن السكيت الحبر بالكسر العالم والحبر بالفتح العالم والرهبان جمع راهب مأخوذ من الرهبة وهم علماء النصارى كما أن الأحبار علماء اليهود ومعنى الآية أنهم لما أطاعوهم فيما يأمرونهم به وينهونهم عنه كانوا بمنزلة المتخذين لهم أربابا لأنهم أطاعوهم كما تطاع الأرباب قوله ) والمسيح ابن مريم ( معطوف على رهبانهم أي اتخذه النصارى ربا معبودا وفيه إشارة إلى أن اليهود لم يتخذوا عزير ربا معبودا وفى هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدى بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ونطقت به كتبه وأنبياؤه هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة
والتمرة بالتمرة والماء بالماء فيا عباد الله ويا أتباع محمد بن عبد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله لهم بهما وطلبه منهم للعمل بما دلا عليه وأفاده فعلتم بما جاءوا به من الآراء التى لم تعمد


الصفحة التالية
Icon