"""""" صفحة رقم ٣٧٢ """"""
دون البعض على حسب ما يراه الإمام أو صاحب الصدقة فذهب إلى الأول الشافعي وجماعة من أهل العلم وذهب إلى الثاني مالك وأبو حنيفة وبه قال عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران قال ابن جرير وهو قول عامة أهل العلم احتج الأولون بما في الآية من القصر وبحديث زياد بن الحرث الصدائي عند أبي داود والدارقطني قال أتيت النبي ( ﷺ ) فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة فقال له إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك وأجاب الآخرون بأن ما في الآية من القصر إنما هو لبيان الصرف والمصرف لا لوجوب استيعاب الأصناف وبأن في إسناد الحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف
ومما يؤيد ما ذهب إليه الآخرون قوله تعالى ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ( والصدقة تطلق على الواجبة كما تطلق على المندوبة وصح عنه ( ﷺ ) أنه قال أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم وقد ادعى مالك الإجماع على القول الآخر قال ابن عبد البر يريد إجماع الصحابة فإنه لا يعلم له مخالفا منهم قوله ) للفقراء ( قدمهم لأنهم أحوج من البقية على المشهور لشدة فاقتهم وحاجتهم
وقد اختلف أهل العلم في الفرق بين الفقير والمسكين على أقوال فقال يعقوب بن السكيت والقتيبي ويونس ابن حبيب إن الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا لأن الفقير هو الذى له بعض ما يكفيه ويقيمه والمسكين الذى لا شيء له وذهب إلى هذا قوم من أهل الفقه منهم أبو حنيفة وقال آخرون بالعكس فجعلوا المسكين أحسن حالا من الفقير واحتجوا بقوله تعالى ) أما السفينة فكانت لمساكين ( فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر وربما ساوت جملة من المال ويؤيده تعوذ النبي ( ﷺ ) من الفقر مع قوله اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا وإلى هذا ذهب الأصمعي وغيره من أهل اللغة وحكاه الطحاوي عن الكوفيين وهو أحد قولي الشافعي وأكثر أصحابه وقال قوم إن الفقير والمسكين سواء لا فرق بينهما وهو أحد قولي الشافعي وإليه ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك وبه قال أبو يوسف وقال قوم الفقير المحتاج المتعفف والمسكين السائل قاله الأزهري واختاره ابن شعبان وهو مروي عن ابن عباس وقد قيل غير هذه الأقوال مما لا يأتي الاستكثار منه بفائدة يعتد بها والأولى في بيان ماهية المسكين ما ثبت عن رسول الله ( ﷺ ) عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( ﷺ ) قال ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا قوله ) والعاملين عليها ( أي السعاة والجباة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة فإنهم يستحقون منها قسطا
وقد اختلف في القدر الذى يأخذونه منها فقيل الثمن روى ذلك عن مجاهد والشافعي وقيل على قدر أعمالهم من الأجرة روى ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه وقيل يعطون من بيت المال قدر أجرتهم روى ذلك عن مالك ولا وجه لهذا فإن الله قد أخبر بأن لهم نصيبا من الصدقة فكيف يمنعون منها ويعطون من غيرها واختلفوا هل يجوز أن يكون العامل هاشميا أم لا فمنعه قوم وأجازه آخرون قالوا ويعطى من غير الصدقة قوله ) والمؤلفة قلوبهم ( هم قوم كانوا في صدر الإسلام فقيل هم الكفار الذين كان النبي ( ﷺ ) يتألفهم ليسلموا وكانوا لا يدخلون في الإسلام بالقهر والسيف بل بالعطاء وقيل هم قوم أسلموا في الظاهر


الصفحة التالية
Icon