"""""" صفحة رقم ٤٢٩ """"""
تركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم وعدم قبولهم للحق استدراجا لهم منه سبحانه وخذلانا
يونس :( ١٢ ) وإذا مس الإنسان.....
ثم بين الله سبحانه أنهم كاذبون في استعجال الشر ولو أصابهم ما طلبوه لأظهروا العجز والجزع فقال ) وإذا مس الإنسان الضر ( أي هذا الجنس الصادق على كل ما يحصل التضرر به ) دعانا لجنبه ( اللام للوقت كقوله جئته لشهر كذا أو في محل نصب على الحال بدلالة عطف قاعدا أو قائما عليه وتكون اللام بمعنى على أي دعانا مضطجعا ) أو قاعدا أو قائما ( وكأنه قال دعانا في جميع الأحوال المذكورة وغيرها وخص المذكورة بالذكر لأنها الغالب على الإنسان وما عداها نادر كالركوع والسجود ويجوز أن يراد أنه يدعو الله حال كونه مضطجعا غير قادر على القعود وقاعدا غير قادر على القيام وقائما غير قادر على المشي والأول أولى قال الزجاج إن تعديل أحوال الدعاء أبلغ من تعديد أحوال المضرة لأنه إذا كان داعيا على الدوام ثم نسى في وقت الرخاء كان أعجب قوله ) فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ( أي فلما كشفنا عنه ضره الذى مسه كما تفيده الفاء مضى على طريقته التى كان عليها قبل أن يمسه الضر ونسى حالة الجهد والبلاء أو مضى عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به كأنه لم يدعنا عند أن مسه الضر إلى كشف ذلك الضر الذى مسه وقيل معنى ) مر ( استمر على كفره ولم يشكر ولم يتعظ قال الأخفش ) إن ( في ) كأن لم يدعنا ( هى المخففة من الثقيلة والمعنى كأنه انتهى والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال وهذه الحالة التى ذكرها الله سبحانه للداعي لا تختص بأهل الكفر بل تتفق لكثير من المسلمين تلين ألسنهم بالدعاء وقلوبهم بالخشوع والتذلل عند نزول ما يكرهون بهم فإذا كشفه الله عنهم غفلوا عن الدعاء والتضرع وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة التى أنعم الله بها عليهم من إجابة دعائهم ورفع ما نزل بهم من الضر ودفع ما أصابهم من المكروه وهذا مما يدل على أن الآية تعم المسلم والكافر كما يشعر به لفظ الناس ولفظ الإنسان اللهم أوزعنا شكر نعمك وأذكرنا الأحوال التى مننت علينا فيها بإجابة الدعاء حتى نستكثر من الشكر الذى لا نطيق سواه ولا نقدر على غيره وما أغناك عنه وأحوجنا إليه و ) لئن شكرتم لأزيدنكم ( والإشارة بقوله ) كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ( إلى مصدر الفعل المذكور بعده كما مر غير مرة أي مثل ذلك التزيين العجيب زين للمسرفين عملهم والمسرف في اللغة هو الذى ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس ومحل كذلك النصب على المصدرية والتزيين هو إما من جهة الله تعالى على طريقة التحلية وعدم اللطف بهم أو من طريق الشيطان بالوسوسة أو من طريق النفس الأمارة بالسوء والمعنى أنه زين لهم الإعراض عن الدعاء والغفلة عن الشكر والاشتغال بالشهوات
يونس :( ١٣ ) ولقد أهلكنا القرون.....
ثم ذكر سبحانه ما يجرى مجرى الردع والزجر عما صنعه هؤلاء فقال ) ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ( يعني الأمم الماضية من قبل هؤلاء الكفار المعاصرين للنبي ( ﷺ ) أي أهلكناهم من قبل زمانكم وقيل الخطاب لأهل مكة على طريق الالتفات للمبالغة في الزجر و ) لما ( ظرف لأهلكنا أي أهلكناهم حين فعلوا الظلم بالتكذيب والتجاري على الرسل والتطاول في المعاصي من غير تأخير لإهلاكهم كما أخرنا إهلاككم والواو في ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( للحال بإضمار قد أي وقد جاءتهم رسلهم الذين أرسلناهم إليهم بالبينات أي بالآيات البينات الواضحات للدلالة على صدق الرسل وقيل الواو للعطف على ) ظلموا ( والأول أولى وقيل المراد بالظلم هنا هو الشرك والواو في ) وما كانوا ليؤمنوا ( للعطف على ظلموا أو الجملة اعتراضية واللام لتأكيد النفي أي وما صح لهم وما استقام أن يؤمنوا لعدم استعدادهم لذلك وسلب الألطاف عنهم ) كذلك نجزي القوم المجرمين ( أي مثل ذلك الجزاء نجزى القوم المجرمين وهو الاستئصال الكلي لكل مجرم وهذا وعيد شديد لمن كان في عصره من الكفار


الصفحة التالية
Icon