"""""" صفحة رقم ٤٤٦ """"""
داخل في حكم الاستدراك خبر ثالث ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال من الكتاب ويجوز أن تكون الجملة استئنافية لا محل لها و ) من رب العالمين ( خبر رابع أي كائن من رب العالمين ويجوز أن يكون حالا من الكتاب أو من ضمير القرآن في قوله ) لا ريب فيه ( أي كائنا من رب العالمين ويجوز أن يكون متعلقا بتصديق وتفصيل وجملة ) لا ريب فيه ( معترضة
يونس :( ٣٨ ) أم يقولون افتراه.....
قوله ) أم يقولون افتراه ( الاستفهام للإنكار عليهم مع تقرير ثبوت الحجة وأم هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة أي بل أيقولون افتراه واختلقه وقال أبو عبيدة أم بمعنى الواو أي ويقولون افتراه وقيل الميم زائدة والتقدير أيقولون افتراه والاستفهام للتقريع والتوبيخ
ثم أمره الله سبحانه أن يتحداهم حتى يظهر عجزهم ويتبين ضعفهم فقال ) قل فأتوا بسورة مثله ( أي إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمدا افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله في البلاغة وجودة الصناعة فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن وبلاغة الكلام ) وادعوا ( بمظاهريكم ومعاونيكم ) من استطعتم ( دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب ومن آلهتكم التى تجعلونهم شركاء لله وقوله ) من دون الله ( متعلق بادعوا أي ادعوا من سوى الله من خلقه ) إن كنتم صادقين ( في دعواكم أن هذا القرآن مفترى
وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة وأوضحها وأظهرها للعقول فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية قال لهم هذا الذى نسبتموه إلي وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجم بسورة مماثلة لسورة من سوره واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم أو من غيرهم من بني آدم أو من الجن أو من الأصنام فإن فعلتم هذا بعد اللتيا والتى فأنتم صادقون فيما نسبتموه إلي وألصقتموه بي فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف والتنزل البالغ بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة بل كاعوا عن الجواب وتشبثوا بأذيال العناد البارد والمكابرة المجردة عن الحجة وذلك مما لا يعجز عنه مبطل ولهذا قال سبحانه عقب هذا التحدي البالغ
يونس :( ٣٩ ) بل كذبوا بما.....
) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ( فأضرب عن الكلام الأول وانتقل إلى بيان أنهم سارعوا إلى تكذيب القرآن قبل أن يتدبروه ويفهموا معانيه وما اشتمل عليه وهكذا صنع من تصلب في التقليد ولم يبال بما جاء به من دعا إلى الحق وتمسك بذيول الإنصاف بل يرده بمجرد كونه لم يوافق هواه ولا جاء على طبق دعواه قبل أن يعرف معناه ويعلم مبناه كما تراه عيانا وتعلمه وجدانا والحاصل أن من كذب بالحجة النيرة والبرهان الواضح قبل أن يحيط بعلمه فهو لم يتمسك بشيء في هذا التكذيب إلا مجرد كونه جاهلا لما كذب به غير عالم به فكان بهذا التكذيب مناديا على نفسه بالجهل بأعلى صوت ومسجلا بقصوره عن تعقل الحجج بأبلغ تسجيل وليس على الحجة ولا على من جاء بها من تكذيبه شيء ما يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
قوله ) ولما يأتهم تأويله ( معطوف على ) لم يحيطوا بعلمه ( أي بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وبما لم يأتهم تأويله أو هذه الجملة في محل نصب على الحال أي كذبوا به حال كونهم لم يفهموا تأويل ما كذبوا به ولا بلغته عقولهم
والمعنى أن التكذيب منهم وقع قبل الإحاطة بعلمه وقبل أن يعرفوا ما يئول إليه من صدق ما اشتمل عليه من حكاية ما سلف من أخبار الرسل المتقدمين والأمم السابقين ومن حكايات من سيحدث من الأمور المستقبلة التى أخبر عنها قبل كونها أو قبل أن يفهموه حق الفهم وتتعقله عقولهم فإنهم لو تدبروه كلية التدبر لفهموه كما ينبغى وعرفوا ما اشتمل عليه من الأمور الدالة أبلغ دلالة على أنه كلام الله وعلى هذا فمعنى تأويله ما يئول إليه