"""""" صفحة رقم ٤٨٨ """"""
حبوط ما صنعوه من الأعمال التى كانت صورتها صورة الطاعات الموجبة للجزاء الأخروي لولا أنهم أفسدوها بفساد مقاصدهم وعدم الخلوص وإرادة ما عند الله في دار الجزاء بل قصروا ذلك على الدنيا وزينتها ثم حكم سبحانه ببطلان عملهم فقال ) وباطل ما كانوا يعملون ( أي أنه كان عملهم في نفسه باطلا غير معتد به لأنه لم يعمل لوجه صحيح يوجب الجزاء ويترتب عليه ما يترتب على العمل الصحيح
هود :( ١٧ ) أفمن كان على.....
قوله ) أفمن كان على بينة من ربه ( بين سبحانه أن بين من كان طالبا للدنيا فقط ومن كان طالبا للآخرة تفاوتا عظيما وتباينا بعيدا والمعنى أفمن كان على بينة من ربه في اتباع النبي ( ﷺ ) والإيمان بالله كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه النبي ( ﷺ ) أي أفمن كان معه بيان من الله ومعجزة كالقرآن ومعه شاهد كجبريل وقد بشرت به الكتب السالفة كمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ومعنى البينة البرهان الذى يدل على الحق والضمير في قوله ) ويتلوه شاهد ( راجع إلى البينة باعتبار تأويلها بالبرهان والضمير في منه راجع إلى القرآن لأن قد تقدم ذكره في قوله ) أم يقولون افتراه ( أو راجع إلى الله تعالى والمعنى ويتلو البرهان الذى هو البينة شاهد يشهد بصحته من القرآن أو من الله سبحانه والشاهد هو الإعجاز الكائن في القرآن أو المعجزات التى ظهرت لرسول الله ( ﷺ ) فإن ذلك من الشواهد التابعة للقرآن وقال الفراء قال بعضهم ويتلوه شاهد منه الإنجيل وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق والهاء في منه لله عز وجل وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه قوله ) ومن قبله كتاب موسى ( معطوف على شاهد والتقدير ويتلو الشاهد شاهد آخر من قبله هو كتاب موسى فهو وإن كان متقدما في النزول فهو يتلو الشاهد في الشهادة وإنما قدم الشاهد على كتاب موسى مع كونه متأخرا في الوجود لكونه وصفا لازما غير مفارق فكان أغرق في الوصفية من كتاب موسى ومعنى شهادة كتاب موسى وهو التوراة أنه بشر بمحمد ( ﷺ ) وأخبر بأنه رسول من الله قال الزجاج والمعنى ويتلوه من قبله كتاب موسى لأن النبي ( ﷺ ) موصوف في كتاب موسى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وحكى أبو حاتم عن بعضهم أنه قرأ ) ومن قبله كتاب موسى ( بالنصب وحكاه المهدوي عن الكلبي فيكون معطوفا على الهاء في يتلوه والمعنى ويتلو كتاب موسى جبريل وانتصاب إماما ورحمة على الحال
والإمام هو الذى يؤتم به في الدين ويقتدى به والرحمة النعمة العظيمة التى أنعم الله بها على من أنزله عليهم وعلى من بعدهم باعتبار ما اشتمل عليه من الأحكام الشرعية الموافقة لحكم القرآن والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بتلك الصفة الفاضلة وهو الكون على البينة من الله واسم الإشارة مبتدأ وخبره ) يؤمنون به ( أي يصدقون بالنبي ( ﷺ ) أو بالقرآن ) ومن يكفر به من الأحزاب ( أي بالنبي أو بالقرآن والأحزاب المتحزبون على رسول الله ( ﷺ ) من أهل مكة وغيرهم أو المتحزبون من أهل الأديان كلها ) فالنار موعده ( أي هو من أهل النار لا محالة وفي جعل النار موعدا إشعار بأن فيها ما لا يحيط به الوصف من أفانين العذاب ومثله قول حسان أوردتموها حياض الموت صاحية
فالنار موعدها والموت لاقيها
) فلا تك في مرية منه ( أي لا تك في شك من القرآن وفيه تعريض بغيره ( ﷺ ) لأنه معصوم عن الشك في القرآن أو من الموعد ) إنه الحق من ربك ( فلا مدخل للشك فيه بحال من الأحوال ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (


الصفحة التالية
Icon