"""""" صفحة رقم ١٥٤ """"""
الجبال وقيل هى النجوم لأن من النجوم ما يهتدى به ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها وذهب الجمهور إلى أن المراد فى الآية الإهتداء فى الأسفار وقيل هو الإهتداء إلى القبلة ولا مانع من حمل ما فى الآية على ما هو أعم من ذلك قال الأخفش ثم الكلام عند قوله وعلامات وقوله ) وبالنجم هم يهتدون ( كلام منفصل عن الأول
النحل :( ١٧ ) أفمن يخلق كمن.....
ثم لما عدد الآيات الدالة على الصانع ووحدانيته وكمال قدرته أراد أن يوبخ أهل الشرك والعناد فقال ) أفمن يخلق ( هذه المصنوعات العظيمة ويفعل هذه الأفاعيل العجيبة ) كمن لا يخلق ( شيئا منها ولا يقدر على إيجاد واحد منها وهو هذه الأصنام التى تعبدونها وتجعلونها شركاء لله سبحانه وأطلق عليها لفظ ) من ( إجراء لها مجرى أولى العلم جريا على زعمهم بأنها آلهة أومشاكلة لقوله ) أفمن يخلق ( لوقوعها فى صحبته وفى هذا الإستفهام من التقريع والتوبيخ للكفار ما لا يخفى وما أحقهم بذلك فإنهم جعلوا بعض المخلوقات شريكا لخالقه ) تعالى الله عما يشركون ( ) أفلا تذكرون ( مخلوقات الله الدالة على وجوده وتفرده بالربوبية وبديع صنعته فتستدلون بها على ذلك فإنها لوضوحها يكفى فى الاستدلال بها مجرد التذكر لها
النحل :( ١٨ ) وإن تعدوا نعمة.....
ثم لما فرغ من تعديد الآيات التى هى بالنسبة إلى المكلفين نعم قال ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( وقد مر تفسير هذا فى سورة إبراهيم قال العقلاء إن كل جزء من أجزاء الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل وأيسر نقص لنغص النعم على الإنسان وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت فى ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل فهو سبحانه يدير بدن هذا الإنسان على الوجه الملائم له مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك فكيف يطيق حصر بعض نعم الله عليه أو يقدر على إحصائها أو يتمكن من شكر أدناها
يا ربنا هذه نواصينا بيدك خاضعة لعظيم نعمك معترفة بالعجز عن بادية الشكر لشيء منها لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولا نطيق التعبير بالشكر لك فتجاوز عنا واغفر لنا وأسبل ذيول سترك على عوراتنا فإنك إن لا تفعل ذلك نهلك بمجرد التقصير فى شكر نعمك فكيف بما قد فرط منا من التساهل فى الائتمار بأوامرك والإنتهاء عن مناهيك وما أحسن ما قال من قال العفو يرجى من بنى آدم
فكيف لا يرجى من الرب
فقلت مذيلا لهذا البيت الذى هو قصر مشيد فإنه أرءف بى منهم
حسبى به حسبى به حسبى
وما أحسن ما ختم به هذا الإمتنان الذى لا يلتبس على إنسان مشيرا إلى عظيم غفرانه وسعة رحمته فقال ) إن الله لغفور رحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة لا يؤاخذكم بالغفلة عن شكر نعمه والقصور عن إحصائها والعجز عن القيام بأدناها ومن رحمته إدامتها عليكم وإدرارها فى كل لحظة وعند كل نفس تتنفسونه وحركة تحتركون بها
اللهم إنى أشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان فى كل زمان وعدد ما سيشكرك الشاكرون بكل لسان فى كل زمان فقد خصصتنى بنعم لم أرها على كثير من خلقك وإن رأيت منها شيئا على بعض خلقك لم أر عليه بقيتها فأنى أطيق شكرك وكيف أستطيع بادية أدنى شكر أدناها فكيف أستطيع أعلاها فكيف أستطيع شكر نوع من أنواعها
النحل :( ١٩ ) والله يعلم ما.....
ثم بين لعباده بأنه عالم بجميع ما يصدر منهم لا تخفى عليه منه خافية فقال ) والله يعلم ما تسرون ( أى تضمرونه من الأمور ) وما تعلنون ( أى تظهرونه منها وفيه وعيد وتعريض وتوبيخ وتنبيه على أن الإله يجب أن يكون عالما بالسر والعلانية لا كالأصنام التى يعبدونها فإنها جمادات لا شعور لها بشئ من الظواهر فضلا عن السرائر فكيف يعبدونها