"""""" صفحة رقم ١٦٢ """"""
فريقان فمنهم من هدى ومنهم من حقت عليه الضلالة فكان فى ذلك دليل على أن أمر الله سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ولا يريد الهداية إلا للبعض إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد وهذا معنى ما حكيناه عن الزجاج هنا ) فسيروا في الأرض ( سير معتبرين ) فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( من الأمم السابقة عند مشاهدتكم لآثارهم كعاد وثمود أى كيف صار آخر أمرهم إلى خراب الديار بعد هلاك الأبدان بالعذاب
النحل :( ٣٧ ) إن تحرص على.....
ثم خصص الخطاب برسوله ( ﷺ ) مؤكدا لما تقدم فقال ) إن تحرص على هداهم ( أى تطلب بجهدك ذلك ) فإن الله لا يهدي من يضل ( قرأ ابن مسعود وأهل الكوفة لا يهدى بفتح حرف المضارعة على أنه فعل مستقبل مسند إلى الله سبحانه أى فإن الله لا يرشد من أضله ) ومن ( فى موضع نصب على المفعولية وقرأ الباقون ) لا يهدي ( بضم حرف المضارعة على أنه مبنى للمجهول واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم على معنى أنه لا يهديه هاد كائنا من كان ومن فى موضع رفع على أنها نائب الفاعل المحذوف فتكون هذه الآية على هذه القراءة كقوله فى الآية الأخرى ) من يضلل الله فلا هادي له ( والعائد على القراءتين محذوف أى من يضله وروى أبو عبيد عن الفراء على القراءة الأولى أن معنى ) لا يهدي ( لا يهتدى كقوله تعالى ؟ أمن لا يهدى إلا أن يهدى ؟ بمعنى يهتدى قال أبو عبيد ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء وليس بمتهم فيما يحكيه قال النحاس حكى عن محمد بن يزيد المبرد كأن معنى ) لا يهدي من يضل ( من علم ذلك منه وسبق له عنده ) وما لهم من ناصرين ( ينصرونهم على الهداية لمن أضله الله أو ينصرونهم بدفع العذاب عنهم
النحل :( ٣٨ ) وأقسموا بالله جهد.....
ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( مصدر فى موضع الحال أى جاهدين ) لا يبعث الله من يموت ( من عباده زعموا أن الله سبحانه عاجز عن بعث الأموات فرد الله عليهم ذلك بقوله ) بلى وعدا عليه حقا ( هذا إثبات لما بعد النفى أى بلى يبعثهم ووعدا مصدر مؤكدا لما دل عليه بلى وهو يبعثهم لأن البعث وعد من الله وعد عباده به والتقدير وعد البعث وعدا عليه حقا لا خلف فيه وحقا صفة لوعد وكذا عليه فإنه صفة لوعد أى كائنا عليه أو نصب حقا على المصدرية أى حق حقا ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن ذلك يسير عليه سبحانه غير عسير
النحل :( ٣٩ ) ليبين لهم الذي.....
وقوله ) ليبين لهم ( أى ليظهر لهم وهو غاية لما دل عليه بلى من البعث والضمير فى ) لهم ( راجع إلى من يموت والموصول فى قوله ) الذي يختلفون فيه ( فى محل نصب على أنه مفعول ليبين أى الأمر الذى وقع الخلاف بينهم فيه وبيانه إذ ذاك يكون بما جاءتهم به الرسل ونزلت عليهم فيه كتب الله وقيل إن ليبين متعلق بقوله ) ولقد بعثنا ( أى بعثنا فى كل أمة رسولا ليبين وهو بعيد ) وليعلم الذين كفروا ( بالله سبحانه وأنكروا البعث ) أنهم كانوا كاذبين ( فى جدالهم وإنكارهم البعث بقولهم ) لا يبعث الله من يموت )
النحل :( ٤٠ ) إنما قولنا لشيء.....
وجملة ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( مستأنفة لبيان كيفية الإبداء والإعادة بعد بيان سهولة البعث عليه سبحانه قال الزجاج أعلمهم بسهولة خلق الأشياء عليه فأخبر أنه متى أراد الشئ كان وهذا كقوله ) وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( وقرأ ابن عامر والكسائى فيكون بالنصب عطفا على أن نقول قال الزجاج يجوز أن يكون نصبا على جواب كن وقرأ الباقون بالرفع على معنى فهو يكون قال ابن الأنبارى أوقع لفظ الشئ على المعلوم عند الله تعالى قبل الخلق لأنه بمنزلة ما قد وجد وشوهد وقال الزجاج إن معنى لشئ لأجل شئ فجعل اللام سببية وقيل هى لام التبليغ كما فى قولك قلت له قم فقام ) إنما قولنا ( مبتدأ ) أن نقول له كن ( خبره وهذا الكلام من باب التمثيل على معنى أنه لا يمتنع عليه شئ وأن وجوده عند إرادته كوجود المأمورية عند أمر الآمر المطاع