"""""" صفحة رقم ١٨٢ """"""
أكول لمال الكل قبل شبابه
إذا كان عظم الكل غير شديد
وفى هذا بيان لعدم قدرته على إقامة مصالح نفسه بعد ذكر عدم قدرته على شئ مطلقا ثم وصفه بصفة رابعة فقال ) أينما يوجهه لا يأت بخير ( أى إذا وجهه إلى أى جهة لا يأت بخير قط لأنه لا يفهم ولا يعقل ما يقال له ولا يمكنه أن يقول وقرأ يحيى بن وثاب ؟ أينما يوجه ؟ على البناء للمجهول وقرأ ابن مسعود أينما توجه على صيغة الماضى ) هل يستوي هو ( فى نفسه مع هذه الأوصاف التى اتصف بها ) ومن يأمر بالعدل ( أى يأمر الناس بالعدل مع كونه فى نفسه ينطق بما يريد النطق به ويفهم ويقدر على التصرف فى الأشياء ) وهو ( فى نفسه ) على صراط مستقيم ( على دين قويم وسيرة صالحة ليس فيه ميل إلى أحد جانبى الإفراط والتفريط قابل أوصاف الأول بهذين الوصفين المذكورين للآخر لأن حاصل أوصاف الأول عدم استحقاقه لشئ وحاصل وصفى هذا أنه مستحق أكمل استحقاق والمقصود الاستدلال بعدم تساوى هذين المذكورين على امتناع التساوى بينه سبحانه وبين ما يجعلونه شريكا له
النحل :( ٧٧ ) ولله غيب السماوات.....
ولما فرغ سبحانه من ذكر المثلين مدح نفسه بقوله ) ولله غيب السماوات والأرض ( أى يختص ذلك به لا يشاركه فيه غيره ولا يستقل به والمراد علم ما غاب عن العباد فيهما أو أراد بغيبهما يوم القيامة لأن علمه غائب عن العباد ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما والمعنى التوبيخ للمشركين والتقريع لهم أى أن العبادة إنما يستحقها من كانت هذه صفته لا من كان جاهلا عاجزا لا يضر ولا ينفع ولا يعلم بشئ من أنواع العلم ) وما أمر الساعة ( التى هى أعظم ما وقعت فيه المماراة من الغيوب المختصة به سبحانه ) إلا كلمح البصر ( اللمح النظر بسرعة ولا بد فيه من زمان تتقلب فيه الحدقة نحو المرئى وكل زمان قابل للتجزئة ولذا قال ) أو هو ( أى أمرهما ) أقرب ( وليس هذا من قبيل المبالغة بل هو كلام فى غاية الصدق لأن مدة ما بين الخطاب وقيام الساعة متناهية ومنها إلى الأبد غير متناه ولا نسبة للمتناهى إلى غير المتناهى أو يقال إن الساعة لما كانت آتية ولا بد جعلت من القرب كلمح البصر وقال الزجاج لم يرد أن الساعة تأتى فى لمح البصر وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها لأنه يقول للشئ كن فيكون وقيل المعنى هي عند الله كذلك وإن لم تكن عند المخلوقين بهذه الصفة ومثله قوله سبحانه ) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ولفظ أو فى أو هو اقرب ليس للشك بل للتمثيل وقيل دخلت لشك المخاطب وقيل هى بمنزلة بل ) إن الله على كل شيء قدير ( ومجئ الساعة بسرعة من جملة مقدوراته
النحل :( ٧٨ ) والله أخرجكم من.....
ثم إنه سبحانه ذكر حالة أخرى للإنسان دالة على غاية قدرته ونهاية رأفته فقال ) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ( وهذا معطوف على قوله ) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( منتظم معه فى سلك أدلة التوحيد أى أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا لا علم لكم بشئ وجملة لا تعلمون شيئا فى محل نصب على الحال وقيل المراد لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق وقيل لا تعلمون شيئا مما قضى به عليكم من السعادة والشقاوة وقيل لا تعلمون شيئا من منافعكم والأولى التعميم لتشمل الآية هذه الأمور وغيرها اعتبارا بعموم اللفظ فإن شيئا نكرة واقعة في سياق النفى وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة إمهاتكم بكسر الهمزة الميم هنا وفى النور والزمر والنجم وقرأ الكسائى بكسر الهمزة وفتح الميم وقرأ الباقون بضم الهمزة وفتح الميم ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( أى ركب فيكم هذه الأشياء وهو معطوف على أخرجكم وليس فيه دلالة على تأخير هذا الجعل عن الإخراج لما أن مدلول الواو وهو مطلق الجمع والمعنى جعل لكم هذه الأشياء لتحصلوا بها العلم الذى كان مسلوبا عنكم عند إخراجكم من بطون أمهاتكم وتعملوا بموجب العلم من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والأفئدة جمع فؤاد وهو وسط القلب منزل منه بمنزلة القلب من الصدر وقد


الصفحة التالية
Icon