"""""" صفحة رقم ٢٣٤ """"""
الإسراء :( ٤٩ ) وقالوا أئذا كنا.....
لما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم فى النبوات حكى شبهتهم فى أمر المعاد فقال ) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ( والاستفهام للاستنكار والاستبعاد وتقرير الشبهة أن الإنسان إذا مات جفت عظامه وتناثرت وتفرقت فى جوانب العالم واختلطت بسائطها بأمثالها من العناصر فكيف يعقل بعد ذلك اجتماعها بأعيانها ثم عود الحياة إلى ذلك المجموع فأجاب سبحانه عنهم بأن إعادة بدن الميت إلى حال الحياة أمر ممكن ولو فرضتم أن بدنه قد صار أبعد شيء من الحياة ومن رطوبة الحي كالحجارة والحديد فهو كقول القائل أتطمع فى وأنا ابن فلان فيقول كن ابن السلطان أو ابن من شئت فسأطلب منك حقي والرفات ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات والحطام والرضاض قاله أبو عبيدة والكسائي والفراء والأخفش تقول منه رفت الشيء رفتا أى حطم فهو مرفوت وقيل الرفات الغبار وقيل التراب ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( كرر الاستفهام الدال على الاستنكار والاستبعاد تأكيدا وتقريرا والعامل فى إذا هو ما دل عليه لمبعوثون لا هو نفسه لأن ما بعد إن والهمزة واللام لا يعمل فيما قبلها والتقدير ) أئذا كنا عظاما ورفاتا ( نبعث ءإنا لمبعوثون وانتصاب خلقا على المصدرية من غير لفظه أو على الحال أى مخلوقين وجديدا صفة له
الإسراء :( ٥٠ ) قل كونوا حجارة.....
) قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا ( آخر ) مما يكبر في صدوركم ( قال ابن جرير معناه إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم على ذلك وقال علي بن عيسى معناه إنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله عز وجل إذا أرادكم إلا أنه خرج مخرج الأمر لأنه أبلغ فى الإلزام وقيل معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم قال النحاس وهذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديدا وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة قلت وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا
الإسراء :( ٥١ ) أو خلقا مما.....
) أو خلقا مما يكبر في صدوركم ( أى يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة وقيل المراد به السموات والأرض والجبال لعظمها فى النفوس وقال جماعة من الصحابة والتابعين المراد به الموت لأنه ليس شيء أكبر فى نفس ابن آدم منه والمعنى لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم ولا يخفى ما فى هذا من البعد فإن معنى الآية الترقي من الحجارة إلى الحديد ثم من الحديد إلى ما هو أكبر فى صدور القوم منه والموت نفسه ليس بشيء يعقل ويحس حتى يقع الترقي من الحديد إليه ) فسيقولون من يعيدنا ( إذا كنا عظاما ورفاتا أو حجارة أو حديدا مع ما بين الحالتين من التفاوت ) قل الذي فطركم أول مرة ( أى يعيدكم الذى خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدمة ) فسينغضون إليك رؤوسهم ( أى يحركونها استهزاء يقال نغض رأسه ينغض وينغض وينغض نغضا ونغوضا أى تحرك وأنغض رأسه حركه كالمتعجب ومنه قول الراجز أنغض نحوى رأسه وأقنعا
وقول الراجز الآخر
ونغضت من هرم أسنانها
وقال آخر
لما رأتني أنغضت لى رأسها
) ويقولون متى هو ( أى البعث والإعادة استهزاء منهم وسخرية ) قل عسى أن يكون قريبا ( أى هو قريب لأن عسى فى كلام الله واجب الوقوع ومثله ) وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( وكل ما هو آت قريب
الإسراء :( ٥٢ ) يوم يدعوكم فتستجيبون.....
) يوم يدعوكم ( الظرف منتصب بفعل مضمر أى اذكر أو بدل من قريبا أو التقدير يوم يدعوكم كان ما كان الدعاء النداء إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق وقيل هو الصيحة التى تسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع فى أرض المحشر ) فتستجيبون بحمده ( أى منقادين له حامدين لما فعله بكم فهو فى محل نصب على الحال وقيل المعنى فتستجيبون والحمد لله كما قال الشاعر


الصفحة التالية
Icon