"""""" صفحة رقم ٢٦ """"""
فشرب فلم يضره وقال للخباز كل فأبى فجرب الطعام على حيوان فهلك مكانه فحبسهما وكان دخولهما السجن مع دخول يوسف وقيل قبله وقيل بعده قال ابن جرير إنهما سألا يوسف عن علمه فقال إني أعبر الرؤيا فسألاه عن رؤياهما كما قص الله سبحانه ) قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ( أي رأيتني والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة والمعنى إني أراني أعصر عنبا فسماه باسم ما يئول إليه لكونه المقصود من العصر وفي قراءة ابن مسعود أعصر عنبا قال الأصمعي أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقى أعرابيا ومعه عنب فقال له ما معك فقال خمر وقيل معنى أعصر خمرا أي عنب خمر فهو على حذف المضاف وهذا الذى رأى هذه الرؤيا هو الساقي وهذه الجملة مستأنفة بتقدير سؤال وكذلك الجملة التى بعدها وهى ) وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا ( ثم وصف الخبز هذا بقوله ) تأكل الطير منه ( وهذا الرائي لهذ الرؤيا هو الخباز ثم قالا ليوسف جميعا بعد أن قصا رؤياهما عليه ) نبئنا بتأويله ( أي بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين أو بتأويل المذكور لك من كلامنا وقيل إن كل واحد منهما قال له ذلك عقب قص رؤياه عليه فيكون الضمير راجعا إلى ما رآه كل واحد منهما وقيل إن الضمير في بتأويله موضوع موضع اسم الإشارة والتقدير بتأويل ذلك ) إنا نراك من المحسنين ( أي من الذين يحسنون عبارة الرؤيا وكذا قال الفراء إن معنى ) من المحسنين ( من العالمين الذين أحسنوا العلم وقال ابن إسحاق من المحسنين إلينا إن فسرت ذلك أو من المحسنين إلى أهل السجن فقد روى أنه كان كذلك
يوسف :( ٣٧ ) قال لا يأتيكما.....
وجملة ) قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ( مستأنفة جواب سؤال مقدر ومعنى ذلك أنه يعلم شيئا من الغيب وأنه لا يأتيهما إلى السجن طعام إلا أخبرهما بماهيته قبل أن يأتيهما وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه بل جعله عليه السلام مقدمة قبل تعبيره لرؤياهما بيانا لعلو مرتبته فى العلم وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظن وتخمين فهو كقول عيسى عليه السلام وأنبئكم بما تأكلون وإنما قال يوسف عليه السلام لهما بهذا ليحصل الانقياد منهما له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر ومعنى ترزقانه يجري عليهما من جهة الملك أو غيره والجملة صفة لطعام أو يرزقكما الله سبحانه والاستثناء بقوله ) إلا نبأتكما بتأويله ( مفرغ من أعم الأحوال أي لا يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما أي بينت لكما ماهيته وكيفيته قبل أن يأتيكما وسماه تأويلا بطريق المشاكلة لأن الكلام في تأويل الرؤيا أو المعنى إلا نبأتكما بما يئول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع والإشارة بقوله ) ذلكما ( إلى التأويل والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما ) مما علمني ربي ( بما أوحاه إلي وألهمني إياه لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه الخطأ ثم بين لهما أن ذلك الذى ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجمة هو بسبب ترك الملة التى لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال ) إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ( وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل لا أنه قد كان تلبس به ثم تركه كما يدل عليه قوله ) ما كان لنا أن نشرك بالله ( ثم وصف هؤلاء القوم بما يدل على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه فقال ) وهم بالآخرة هم كافرون ( أي هم مختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله
يوسف :( ٣٨ ) واتبعت ملة آبائي.....
وقوله ) واتبعت ( معطوف على تركت وسماهم آباء جميعا لأن الأجداد آباء وقدم الجد الأعلى ثم الجد الأقرب ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التى كان عليها أولاده ثم تلقاها عنه إسحاق ثم يعقوب وهذا منه عليه السلام لترغيب صاحبيه في الإيمان بالله ) ما كان لنا أن نشرك بالله ( أي ما صح لنا ذلك فضلا عن وقوعه والضمير فى لنا له وللأنبياء المذكورين والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الإيمان المفهوم من قوله ما كان لنا أن نشرك