"""""" صفحة رقم ٣٥ """"""
وهو بعيد جدا ومعناه وما ابرئ نفسى من سوء الظن بيوسف والمساعدة على حبسه بعد أن علمت ببراءته ) إن النفس لأمارة بالسوء ( أي إن هذا الجنس من الأنفس البشرية شأنه الأمر بالسوء لميله إلى الشهوات وتأثيرها بالطبع وصعوبة قهرها وكفها عن ذلك ) إلا ما رحم ربي ( أي إلا من رحم من النفوس فعصمها عن أن تكون أمارة بالسوء أو إلا وقت رحمة ربى وعصمته لها وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لكن رحمة ربي هى التى تكفها عن أن تكون أمارة بالسوء وجملة ) إن ربي غفور رحيم ( تعليل لما قبلها أي إن من شأنه كثرة المغفرة لعباده والرحمة لهم
يوسف :( ٥٤ ) وقال الملك ائتوني.....
قوله ) وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ( الملك هو الريان بن الوليد لا العزيز كما تقدم ومعنى ) أستخلصه لنفسي ( أجعله خالصا لي دون غيري وقد كان قبل ذلك خالصا للعزيز والاستخلاص طلب خلوص الشيء من شوائب الشركة قال ذلك لما كان يوسف نفيسا وعادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفيسة خالصة لهم دون غيرهم ) فلما كلمه ( في الكلام حذف وتقديره فأتوه به فلما كلمه أي فلما كلم الملك يوسف ويحتمل أن يكون المعنى فلما كلم يوسف الملك قيل والأول أولى لأن مجالس الملوك لا يتكلم فيها ابتداء إلا هم دون من يدخل عليهم وقيل الثاني أولى لقول الملك ) قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ( فإن هذا يفيد أنه لما تكلم يوسف في مقام الملك جاء بما حببه إلى الملك وقربه من قلبه فقال له هذه المقالة ومعنى مكين ذو مكانة وأمانة بحيث يتمكن مما يريده من الملك ويأمنه الملك على ما يطلع عليه من أمره أو على ما يكله إليه من ذلك قيل إنه لما وصل إلى الملك أجلسه على سريره وقال له إني أحب أن أسمع منك تعبير رؤياي فعبرها له بأكل بيان وأتم عبارة فلما سمع الملك منه ذلك قال له ) إنك اليوم لدينا مكين أمين )
يوسف :( ٥٥ ) قال اجعلني على.....
فلما سمع يوسف منه ذلك ) قال اجعلني على خزائن الأرض ( أي ولنى أمر الأرض التى أمرها إليك وهى أرض مصر أو اجعلنى على حفظ خزائن الأرض وهي الأمكنة التى تخزن فيها الأموال طلب يوسف عليه السلام منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ورفع الظلم ويتوسل به إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان وفيه دليل على أنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق ويهدم ما أمكنه من الباطل طلب ذلك لنفسه ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التى لها ترغيبا فيما يرومه وتنشيطا لمن يخاطبه من الملوك بالقاء مقاليد الأمور إليه وجعلها منوطة به ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا ( ﷺ ) من النهي عن طلب الولاية والمنع من تولية من طلبها أو حرص عليها والخزائن جمع خزانة وهى اسم للمكان الذى يخزن فيه الشيء والحفيظ الذى يحفظ الشيء أي ) إني حفيظ ( لما جعلته إلى من حفظ الأموال لا أخرجها في غير مخارجها ولا أصرفها في غير مصارفها ) عليم ( بوجود جمعها وتفريقها ومدخلها ومخرجها
يوسف :( ٥٦ ) وكذلك مكنا ليوسف.....
) وكذلك مكنا ليوسف ( أي ومثل ذلك التمكين العجيب مكنا ليوسف في الأرض أي جعلنا له مكانا وهو عبارة عن كمال قدرته ونفوذ أمره ونهيه حتى صار الملك يصدر عن رأيه وصار الناس يعملون على أمره ونهيه ) يتبوأ منها حيث يشاء ( أي ينزل منها حيث أراد ويتخذه مباءة وهو عبارة عن كمال قدرته كما تقدم وكأنه يتصرف في الأرض التى أمرها إلى سلطان مصر كما يتصرف الرجل في منزله وقرأ ابن كثير بالنون وقد استدل بهذه الآية على أنه يجوز تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفى في قوله سبحانه ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) نصيب برحمتنا من نشاء ( من العباد فنرحمه في الدنيا بالإحسان إليه والإنعام عليه وفي الآخرة بإدخاله الجنة وإنجائه من النار ) ولا نضيع أجر المحسنين ( في أعمالهم الحسنة التى هى مطلوب الله منهم أي لا نضيع ثوابهم فيها ومجازاتهم عليها
يوسف :( ٥٧ ) ولأجر الآخرة خير.....
) ولأجر الآخرة ( أي أجرهم في الآخرة وأضيف الأجر إلى الآخرة للملانسة