"""""" صفحة رقم ٥ """"""
واختلف في وجه كون ما في هذه السورة هو أحسن القصص فقيل لأن ما في هذه السورة من القصص يتضمن من العبر والمواعظ والحكم ما لم يكن في غيرها وقيل لما فيها من حسن المحاورة وما كان من يوسف عليه من الصبر على أذاهم وعفوه عنهم وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والجن والإنس والأنعام والطير وسير الملوك والمماليك والتجار والعلماء والجهال والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن وقيل لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وما دار بينهما وقيل إن أحسن هنا بمعنى أعجب وقيل إن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة
يوسف :( ٤ ) إذ قال يوسف.....
قوله ) إذ قال يوسف لأبيه ( إذ منصوب على الظرفية بفعل مقدر أي اذكر وقت قال يوسف قرأ الجمهور ) يوسف ( بضم السين وقرأ طلحة بن مصرف بكسرها مع الهمز مكان الواو وحكى ابن زيد الهمز وفتح السين وهو غير منصرف للعجمة والعلمية وقيل هو عربي والأول أولى بدليل عدم صرفه ) لأبيه ( أي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) يا أبت ( بكسر التاء في قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ونافع وابن كثير وهي عند البصريين علامة التأنيث ولحقت في لفظ أب في النداء خاصة بدلا من الياء وأصله يا أبي وكسرها للدلالة على أنها عوض عن حرف يناسب الكسر وقرأ ابن عامر بفتحها لأن الأصل عنده يا أبتا ولا يجمع بين العوض والمعوض فيقال يا أبتي وأجاز الفراء يا أبت بضم التاء ) إني رأيت ( من الرؤيا النومية لا من الرؤية البصرية كما يدل عليه ) لا تقصص رؤياك على إخوتك ( قوله ) أحد عشر كوكبا ( قرئ بسكون العين تخفيفا لتوالي الحركات وقرأ بفتحها على الأصل ) والشمس والقمر ( إنما أخرهما عن الكواكب لإظهار مزيتهما وشرفهما كما في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة وقيل إن الواو بمعنى مع وجملة ) رأيتهم لي ساجدين ( مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها وأجريت مجرى العقلاء في الضمير المختص بهم لوصفها بوصف العقلاء وهو كونها ساجدة كذا قال الخليل وسيبويه والعرب تجمع ما لا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته
يوسف :( ٥ ) قال يا بني.....
) قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ( الرؤيا مصدر رأي في المنام رؤيا على وزن فعلي كالسقيا والبشرى وألفه للتأنيث ولذلك لم يصرف نهي يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عن أن يقص رؤياه على إخوته لأنه قد علم تأويلها وخاف أن يقصها على إخوته فيفهمون تأويلها ويحصل منهم الحسد له ولهذا قال ) فيكيدوا لك كيدا ( وهذا جواب النهي وهو منصوب بإضمار أن أي فيفعلوا لك أي لأجلك كيدا مثبتا راسخا لا تقدر على الخلوص منه أو كيدا خفيا عن فهمك وهذا المعنى الحاصل بزيادة اللام آكد من أن يقال فيكيدوا كيدا وقيل إنما جيء باللام لتضمينه معنى الاحتيال المتعدي باللام فيفيد هذا التضمين معنى الفعلين جميعا الكيد والاحتيال كما هو القاعدة في التضمين أن يقدر أحدهما أصلا والآخر حالا وجملة ) إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( مستأنفة كأن يوسف عليه السلام قال كيف يقع منهم فنبهه بأن الشيطان يحملهم على ذلك لأنه عدو للإنسان مظهر للعداوة مجاهر بها
يوسف :( ٦ ) وكذلك يجتبيك ربك.....
قوله ) وكذلك يجتبيك ربك ( أي مثل ذلك الاجتباء البديع الذي رأيته في النوم من سجود الكواكب والشمس والقمر يجتبيك ربك ويحقق فيك تأويل تلك الرؤيا فيجعلك نبيا ويصطفيك على سائر العباد ويسخرهم لك كما تسخرت لك تلك الأجرام التى رأيتها في منامك فصارت ساجدة لك قال النحاس والاجتباء أصله من جبيت الشيء حصلته ومنه جبيت الماء في الحوض جمعته ومعنى الاجتباء الاصطفاء وهذا يتضمن الثناء على يوسف وتعديد نعم الله عليه ومنها ) ويعلمك من تأويل الأحاديث ( أي تأويل الرؤيا قال القرطبي وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا وقد كان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها وقيل المراد ويعلمك من تأويل أحاديث الأمم والكتب وقيل المراد به إحواج إخوته إليه وقيل إنجاؤه من كل مكروه وقيل إنجاؤه من القتل خاصة ) ويتم نعمته عليك (


الصفحة التالية
Icon