"""""" صفحة رقم ٨٥ """"""
سبحانه استفهاما آخر للتوبيخ والتقريع يجرى مجرى الحجاج للكفار واستركاك صنعهم والإزراء عليهم فقال ) أفمن هو قائم على كل نفس ( القائم الحفيظ والمتولى للأمور وأراد سبحانه نفسه فإنه المتولى لأمور خلقه المدبر لأحوالهم بالآجال والأرزاق وإحصاء الأعمال على كل نفس من الأنفس كائنة ما كانت والجواب محذوف أى أفمن هو بهذه الصفة كمن ليس بهذه الصفة من معبوداتكم التى لا تنفع ولا تضر قال الفراء كأنه فى المعنى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين اتخذوهم من دون الله والمراد من الآية إنكار المماثلة بينهما وقيل المراد بمن هو قائم على كل نفس الملائكة الموكلون ببنى آدم والأول أولى وجملة ) وجعلوا لله شركاء ( معطوفة على الجواب المقدر مبينة له أو حالية بتقدير قد أى وقد جعلوا أو معطوفة على ) ولقد استهزئ ( أى استهزءوا وجعلوا ) قل سموهم ( أى قل يا محمد جعلتم له شركاء فسموهم من هم وفى هذا تبكيت لهم وتوبيخ لأنه إنما يقال هكذا فى الشيء المستحقر الذى لا يستحق أن يلتفت إليه فيقال سمه إن شئت يعنى أنه أحقر من أن يسمى وقيل إن المعنى سموهم بالآلهة كما تزعمون فيكون ذلك تهديدا لهم ) أم تنبئونه ( أى بل أتنبئون الله ) بما لا يعلم في الأرض ( من الشركاء الذين تعبدونهم مع كونه العالم بما فى السموات والأرض ) أم بظاهر من القول ( أى بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن تكون له حقيقة وقيل المعنى قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر يعلمه فإن قالوا بباطن لا يعلمه فقد جاءوا بدعوى باطلة وإن قالوا بظاهر يعلمه فقل لهم سموهم فإذا سموا اللات والعزى ونحوهما فقل لهم إن الله لا يعلم لنفسه شريكا وإنما خص الأرض بنفى الشريك عنها وإن لم يكن له شريك فى غير الأرض لأنهم ادعوا له شريكا فى الأرض وقيل معنى ) أم بظاهر من القول ( أم بزائل من القول باطل ومنه قول الشاعر أعيرتنا ألبانها ولحومها
وذلك عار يا بن ريطة ظاهر
أى زائل باطل وقيل بكذب من القول وقيل معنى بظاهر من القول بحجة من القول ظاهرة على زعمهم ) بل زين للذين كفروا مكرهم ( أى ليس لله شريك بل زين للذين كفروا مكرهم وقرأ ابن عباس ) زين ( على البناء للفاعل على أن الذي زين لهم ذلك هو مكرهم وقرأ من عداه بالبناه للمفعول والمزين هو الله سبحانه أو الشيطان ويجوز أن يسمى المكر كفرا لأن مكرهم برسول الله ( ﷺ ) كان كفرا وأما معناه الحقيقي فهو الكيد أو التمويه بالأباطيل ) وصدوا عن السبيل ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم ؟ صدوا ؟ على البناء للمفعول أى صدهم الله أو صدهم الشيطان وقرأ الباقون على البناء للفاعل أى صدوا غيرهم واختار هذه القراءة أبو حاتم وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الصاد ) ومن يضلل الله فما له من هاد ( أى يجعله ضالا وتقتضى مشيئته إضلاله فما له من هاد يهديه إلى الخير قرأ الجمهور ) هاد ( من دون إثبات الياء على اللغة الكثيرة الفصيحة وقريء بإثباتها على اللغة القليلة
الرعد :( ٣٤ ) لهم عذاب في.....
ثم بين سبحانه ما يستحقونه فقال ) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( بما يصابون به من القتل والأسر وغير ذلك ) ولعذاب الآخرة أشق ( عليهم من عذاب الحياة الدنيا ) وما لهم من الله من واق ( يقيهم عذابه ولا عاصم يعصمهم منه
الرعد :( ٣٥ ) مثل الجنة التي.....
ثم لما ذكر سبحانه ما يستحقه الكفار من العذاب فى الأولى والأخرى ذكر ما أعده للمؤمنين فقال ) مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ( أى صفقتها العجيبة الشأن التى هى فى الغرابة كالمثل قال ابن قتيبة المثل الشبه فى أصل اللغة ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته يقال مثلت لك كذا أى صورته ووصفته فأراد هنا بمثل الجنة صورتها وصفتها ثم ذكرها فقال ) تجري من تحتها الأنهار ( وهو كالتفسير للمثل قال سيبويه وتقديره فيما قصصنا عليك مثل الجنة وقال الخليل وغيره إن مثل الجنة مبتدأ


الصفحة التالية
Icon