"""""" صفحة رقم ١٨٥ """"""
وقيل إن ميمه أصلية ووزنه فعلل لافعمل وهو الظاهر بين لهم سبحانه أنه مهد لهم أسباب المعيشة ليقوموا بشكر النعمة فإنه لو كان الدهر الذي يعيشون فيه ليلا دائما إلى يوم القيامة لم يتمكنوا من الحركة فيه وطلب ما لا بد لهم منه مما يقوم به العيش من المطاعم والمشارب والملابس ثم امتن عليهم فقال ) من إله غير الله يأتيكم بضياء ( أي هل لكم إله من الالهة التي تعبدونها يقدر على أن يرفع هذه الظلمة الدائمة عنكم بضياء أي بنور تطلبون فيه المعيشة وتبصرون فيه ما تحتاجون إليه وتصلح به ثماركم وتنمو عنده زرائعكم وتعيش فيه دوابكم أفلا تسمعون هذا الكلام سماع فهم وقبول وتدبر وتفكر
القصص :( ٧٢ ) قل أرأيتم إن.....
ثم لما فرغ من الامتنان عليهم بوجود النهار امتن عليهم بوجود الليل فقال قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة أي جعل جميع الدهر الذي تعيشون فيه نهارا إلى يوم القيامة ) من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ( أي تستقرون فيه من النصب والتعب وتستريحون مما تزاولون من طلب المعاش والكسب أفلا تبصرون هذه المنفعة العظيمة إبصار متعظ متيقظ حتى تنزجروا عما أنتم فيه من عبادة غير الله وإذا أقروا بأنه لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل فقد لزمتهم الحجة وبطل ما يتمسكون به من الشبه الساقطة وإنما قرن سبحانه بالضياء قوله أفلا تسمعون لأن السمع يدرك مالا يدركه البصر من درك منافعه ووصف فوائده وقرن بالليل قوله أفلا تبصرون لأن البصر يدرك مالا يدركه السمع من ذلك
القصص :( ٧٣ ) ومن رحمته جعل.....
ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي في الليل ) ولتبتغوا من فضله ( أي في النهار بالسعي في المكاسب ولعلكم تشكرون أي ولكى تشكروا نعمة الله عليكم وهذه الاية من باب اللف والنشر كما في قول امرىء القيس كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
واعلم أنه وإن كان السكون في النهار ممكنا وطلب الرزق في الليل ممكنا وذلك عند طلوع القمر على الأرض أو عند الاستضاءة بشيء بما له نور كالسراج لكن ذلك قليل نادر مخالف لما يألفه العباد فلا اعتبار به
القصص :( ٧٤ ) ويوم يناديهم فيقول.....
) ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ( كرر سبحانه هذا لاختلاف الحالتين لأنهم ينادون مرة فيدعون الأصنام وينادون أخرى فيسكتون وفي هذا التكرير أيضا تقريع بعد تقريع وتوبيخ بعد توبيخ
القصص :( ٧٥ ) ونزعنا من كل.....
وقوله ) ونزعنا من كل أمة شهيدا ( عطف على ينادى وجاء بصيغة الماضي للدلالة على التحقق والمعنى وأخرجنا من كل أمة من الأمم شهيدا يشهد عليهم قال مجاهد هم الأنبياء وقيل عدول كل أمة والأول أولى ومثله قوله سبحانه فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ثم بين سبحانه ما يقوله لكل أمة من هذه الأمم بقوله فقلنا هاتوا برهانكم أي حجتكم ودليلكم بأن معي شركاء فعند ذلك اعترفوا وخرسوا عن إقامة البرهان ولذا قال فعلموا أن الحق لله في الإلهية وأنه وحده لا شريك له ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي غاب عنهم وبطل وذهب ما كانوا يختلقونه من الكذب في الدنيا بأن لله شركاء يستحقون العبادة
القصص :( ٧٦ ) إن قارون كان.....
ثم عقب سبحانه حديث أهل الضلال بقصة قارون لما اشتملت عليه من بديع القدرة وعجيب الصنع فقال إن قارون كان من قوم موسى قارون على وزن فاعول اسم أعجمي ممتنع للعجمة والعلمية وليس بعربي مشتق من قرنت قال الزجاج لو كان قارون من قرنت الشيء لانصرف قال النخعي وقتادة وغيرهما كان ابن عم موسى وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وموسى هو ابن عمران بن قاهث وقال ابن إسحاق كان عم موسى لأب وأم فجعله أخا لعمران وهما ابنا قاهث وقيل هو ابن خالة موسى ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه فنافق كما نافق السامري وخرج عن طاعة موسى وهو معنى قوله فبغى عليهم أي جاوز الحد في التجبر والتكبر عليهم وخرج عن طاعة موسى وكفر بالله قال الضحاك بغيه على بني إسرائيل استخفافه بهم