"""""" صفحة رقم ٣٠٨ """"""
وعظ الله المؤمنين أن لايؤذوا محمد ( ﷺ ) كما آذى بنو إسرائيل موسى وقد وقع الخلاف فيما أوذى به نبيا ( ﷺ ) حتى نزلت هذه الآية فحكى النقاش أن أذيتهم محمدا قولهم زيد بن محمد وقال أبو وائل إنه ( ﷺ ) قسم قسما فقال رجل من الأنصار إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وقيل نزلت فى قصة زيد بن ثابت وزينب بنت جحش وما سمع فيها من قالة الناس ومعنى ) وكان عند الله وجيها ( وكان عند الله عظيما ذا وجاهة والوجيه عند الله العظيم القدر الرفيع المنزلة وقيل فى تفسير الوجاهة إنه كلمه تكليما قرأ الجمهور وكان عند الله بالنون علي الظرفية المجازية وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبو حيوة عبد الله بالباء الموحدة من العبودية وما فى قوله ) فبرأه الله مما قالوا ( هي الموصولة أو المصدرية أى من الذى قالوه أو من قولهم
الأحزاب :( ٧٠ ) يا أيها الذين.....
) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( أى فى كل أمر من الأمور ) وقولوا قولا سديدا ( أى قولا صوابا وحقا قال قتادة ومقاتل يعنى قولوا قولا سديدا فى شأن زيد وزينب ولاتنسبوا النبى ( ﷺ ) إلي مالا يحل وقال عكرمة إن القول السديد لا إله إلا الله وقيل هو الذى يوافق ظاهره باطنه وقيل هو ما أريد به وجه الله دون غيره وقيل هو الإصلاح بين الناس والسديد مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض والظاهر من الآية أنه أمرهم بأن يقولوا قولا سديدا فى جميع ما يأتونه ويذرونه فلايخص ذلك نوعا دون نوع وإن لم يكن فى اللفظ مايقتضى العموم فالمقام يفيد هذا المعنى لأنه أرشد سبحانه عباده إلى أن يقولوا قولا يخالف قول أهل الأذى
الأحزاب :( ٧١ ) يصلح لكم أعمالكم.....
ثم ذكر ما لهؤلاء الذين امتثلوا الأمر بالتقوى والقول السديد من الأجر فقال ) يصلح لكم أعمالكم ( أى يجعلها صالحة لا فاسدة بما يهديهم إليه ويوفقهم فيه ) ويغفر لكم ذنوبكم ( أى يجعلها مكفرة مغفورة ) ومن يطع الله ورسوله ( فى فعل ماهو طاعة واجتناب ماهو معصية ) فقد فاز فوزا عظيما ( أى ظفر بالخير ظفرا عظيما ونال خير الدنيا والآخرة وهذه الجملة مستأنفة مقررة لماسبقها
الأحزاب :( ٧٢ ) إنا عرضنا الأمانة.....
ثم لما فرغ سبحانه من بيان ما لأهل الطاعة من الخير بعد بيان ما لأهل المعصية من العذاب بين عظم شأن التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها فقال ) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها (
واختلف فى تفسير هذه الأمانة المذكورة هنا فقال الواحدى معنى الأمانة ههنا فى قول جميع المفسرين الطاعة والفرائض التى يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب قال القرطبى والأمانة تعم جميع وصائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور
وقد اختلف فى تفاصيل بعضها فقال ابن مسعود هى في أمانة الأموال كالودائع وغيرها وروى عنه أنها فى كل الفرائض وأشدها أمانة المال وقال أبى بن كعب من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها وقال أبو الدرداء غسل الجنابة أمانة وإن الله لم يأمن ابن آدم علي شىء من دينه غيرها وقال ابن عمر أول ماخلق الله من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعكها فلا تلبسها إلا بحق فإن حفظتها حفظتك فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واللسان أمانة والبطن أمانة واليد أمانة والرجل أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له وقال السدى هى ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده هابيل وخيانته إياه فى قتله وما أبعد هذا القول وليت شعرى ماهو الذى سوغ للسدى تفسير هذه الآية بهذا فإن كان ذلك لدليل دله على ذلك فلا دليل وليست هذه الآية حكاية عن الماضين من العباد حتى يكون له فى ذلك متمسك أبعد من كل بعيد وأوهن من بيوت العنكبوت وإن كان تفسير هذا عملا بما تقتضيه اللغة العربية فليس فى لغة العرب مايقتضى هذا ويوجب حمل هذه الأمانة


الصفحة التالية
Icon