"""""" صفحة رقم ٤٠٣ """"""
الكيد المكر والحيلة أي احتالوا لإهلاكه فجعلناهم الأسفلين المقهورين المغلوبين لأنها قامت له بذلك عليهم الحجة التى لا يقدرون على دفعها ولا يمكنهم جحدها فإن النار الشديدة الاتقاد العظيمة الاضطرام المتراكمة الجمار إذا صارت بعد إلقائه عليها بردا وسلاما ولم تؤثر فيه أقل تأثير كان ذلك من الحجة بمكان يفهمه كل من له عقل وصار المنكر له سافلا ساقط الحجة ظاهر التعصب واضح التعسف وسبحان من يجعل المحن لمن يدعو إلى دينه منحا ويسوق إليهم الخير بما هو من صور الضير ولما انقضت هذه الوقعة وأسفر الصبح لذى عينين وظهرت حجة الله لإبراهيم وقامت براهين نبوته وسطعت أنوارا معجزته
الصافات :( ٩٩ ) وقال إني ذاهب.....
) وقال إني ذاهب إلى ربي ( أى مهاجر من بلد قومى الذين فعلوا تعصبا للأصنام وكفرا بالله وتكذيبا لرسله إلى حيث أمرنى بالمهاجرة إليه أو إلى حيث أتمكن من عبادته ) سيهدين ( أى سيهدينى إلى المكان الذى أمرنى بالذهاب إليه أو إلى مقصدى
قيل إن الله سبحانه أمره بالمصير إلى الشام وقد سبق بيان هذا فى سورة الكهف مستوفى
الصافات :( ١٠٠ ) رب هب لي.....
قال مقاتل فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال ) رب هب لي من الصالحين ( أى ولدا صالحا من الصالحين يعيننى على طاعتك ويؤنسنى فى الغربة هكذا قال المفسرون وعللوا ذلك بأن الهبة قد غلب معناها فى الولد فتحمل عند الاطلاق عليه وإذا وردت مقيدة حملت على ما قيدت به كما فى قوله ) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ( وعلى فرض أنها لم تغلب فى طلب الولد
الصافات :( ١٠١ ) فبشرناه بغلام حليم
فقوله ) فبشرناه بغلام حليم ( يدل على أنه ما أراد بقوله ) رب هب لي من الصالحين ( إلا الولد ومعنى حليم أن يكون حليما عند كبره فكأنه بشر ببقاء ذلك الغلام حتى يكبر ويصير حليما لأن الصغير لا يوصف بالحلم قال الزجاج هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر وأنه يبقى حتى ينتهى فى السن ويوصف بالحلم
الصافات :( ١٠٢ ) فلما بلغ معه.....
) فلما بلغ معه السعي ( فى الكلام حذف كما تشعر به هذه الفاء الفصيحة والتقدير فوهبنا له الغلام فنشأ حتى صار إلى السن التى يسعى فيها مع أبيه فى أمور دنياه قال مجاهد ) فلما بلغ معه السعي ( أى شب وأدرك سعيه سعى إبراهيم وقال مقاتل لما مشى معه قال الفراء كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وقا الحسن هو سعى العقل الذى تقوم به الحجة وقال ابن زيد هو السعى فى العبادة وقيل هو الاحتلام ) قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ( قال إبراهيم لابنه لما بلغ معه ذلك المبلغ إنى رأيت فى المنام هذه الرؤيا قال مقاتل رأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات قال قتادة رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه
وقد اختلف أهل العلم فى الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل قال القرطبى فقال أكثرهم الذبيح إسحاق وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله وهو الصحيح عن عبد الله بن مسعود ورواه أيضا عن جابر وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن عمر وعمر بن الخطاب قال فهؤلاء سبعة من الصحابة قال ومن التابعين وغيرهم علقمة والشعبى ومجاهد وسعيد بن جبير وكعب الأحبار وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن أبى برزة وعطاء ومقاتل وعبد الرحمن بن سابط والزهرى والسدى وعبد الله بن أبى الهذيل ومالك بن أنس كلهم قالوا الذبيح إسحاق وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى واختاره غير واحد منهم النحاس وابن جرير الطبرى وغيرهما قال وقال آخرون هو إسماعيل وممن قال بذلك أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس أيضا ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبى ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظى والكلبى وعلقمة وعن الأصمعى قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعى أين عزب عنك عقلك ومتى كان إسحاق بمكة وإنما كان إسماعيل بمكة قال ابن كثير فى تفسيره وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكى ذلك عن طائفة من السلف


الصفحة التالية
Icon