"""""" صفحة رقم ٤٧٠ """"""
واعلم أن هذه الآية أرجا آية فى كتاب الله سبحانه لاشتمالها على أعظم بشارة فإنه أولا أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم ومزيد تبشيرهم ثم وصفهم بالإسراف فى المعاصى والاستكثار من الذنوب ثم عقب ذلك بالنهى عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب فالنهى عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى وبفحوى الخطاب ثم جاء بما لا يبقى بعده شك ولا يتخالج القلب عند سماعه ظن فقال ) إن الله يغفر الذنوب ( فالألف واللام قد صيرت الجمع الذى دخلت عليه للجنس الذى يستلزم استغراق أفراده فهو فى قوة إن الله يغفر كل ذنب كائنا ما كان إلا ما أخرجه النص القرآنى وهو الشرك ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( ثم لم يكتف بما أخبر عباده به من مغفرة كل ذنب بل أكد ذلك بقوله ) جميعا ( فيالها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم الصادقين فى رجائه الخالعين لثياب القنوط الرافضين لسوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب ولا يبخل بمغفرته ورحمته على عباده المتوجهين إليه فى طلب العفو الملتجئين به فى مغفرة ذنوبهم وما أحسن ما علل سبحانه به هذا الكلام قائلا ) إنه هو الغفور الرحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة عظيمهما بليغهما واسعهما فمن أبى هذا التفضل العظيم والعطاء الجسيم وظن أن تقنيط عباد الله وتأييسهم من رحمته أولى بهم مما بشرهم الله به فقد ركب أعظم الشطط وغلط أقبح الغلط فإن التبشير وعدم التقنيط الذى جاءت به مواعيد الله فى كتابه العزيز والمسلك الذى سلكه رسوله ( ﷺ ) كما صح عنه فى قوله يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا
وإذا تقرر لك هذا فاعلم أن الجمع بين هذه الآية وبين قوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( هو أن كل ذنب كائنا ما كان ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له على أنه يمكن أن يقال إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعا يدل على أنه يشاء غفرانها جميعا وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة لكل المذنبين من المسلمين فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية وأما ما يزعمه جماعة من المفسرين من تقييد هذه الآية بالتوبة وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات فهو جمع بين الضب والنون وبين الملاح والحادى وعلى نفسها براقش تجنى ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين وقد قال ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( فلو كانت التوبة قيدا فى المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة وقد قال سبحانه ) وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ( قال الواحدى المفسرون كلهم قالوا إن هذه الآية فى قوم خافوا إن أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك وقتل النفس ومعاداة النبى ( ﷺ )
قلت هب أنها فى هؤلاء القوم فكان ماذا فإن الاعتبار بما اشتملت عليه من العموم لا بخصوص السبب كما هو متفق عليه بين أهل العلم ولو كانت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها غير متجاوزة لها لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة إن لم ترتفع كلها واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله
وفى السنة المطهرة من الأحاديث الثابتة فى الصحيحين وغيرهما فى هذا الباب ما إن عرفه المطلع عليه حق معرفته وقدره حق قدره علم صحة ما ذكرناه وعرف حقية ما حررناه قرأ الجمهور يا عبادى بإثبات الياء وصلا ووقفا وروى أبو بكر عن عاصم أنه يقف بغير ياء وقرأ الجمهور ) تقنطوا ( بفتح النون وقرأ أبو عمرو والكسائى بكسرها
الزمر :( ٥٤ ) وأنيبوا إلى ربكم.....
) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( أى راجعوا إليه بالطاعة لما بشرهم سبحانه بأنه يغفر الذنوب جميعا أمرهم بالرجوع إليه بفعل الطاعات واجتناب المعاصى وليس فى هذا