"""""" صفحة رقم ٥ """"""
الزنا في ذلك الزمان كان في النساء أكثر حتى كان لهن رايات تنصب على أبوابهن ليعرفهن من أراد الفاحشة منهن وقيل وجه التقديم أن المرأة هي الأصل في الفعل وقيل لأن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب وقيل لأن العار فيهن أكثر إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكر الزانية تغليظا واهتماما والخطاب في هذه الآية للأئمة ومن قام مقامهم وقيل للمسلمين أجمعين لأن إقامة الحدود واجبة عليهم جميعا والإمام ينوب عنهم إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود ) ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ( يقال رأف يرأف رأفة على وزن فعلة ورآفة على وزن فعالة مثل النشأة والنشاءة وكلاهما بمعنى الرقة والرحمة وقيل هي أرق الرحمة وقرأ الجمهور رأفة بسكون الهمزة وقرأ ابن كثير بفتحها وقرأ ابن جريج رآفة بالمد كفعالة ومعنى في دين الله في طاعته وحكمه كما في قوله ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( ثم قال مثبتا للمأمورين ومهيجا لهم ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( كما تقول للرجل تحضه على أمر إن كنت رجلا فافعل كذا أي إن كنتم تصدقون بالتوحيد والبعث الذي فيه جزاء الأعمال فلا تعطلوا الحدود ) وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( أي ليحضره زيادة في التنكيل بهما وشيوع العار عليهما وإشهار فضيحتهما والطائفة الفرقة التي تكون حافة حول الشيء من الطوف وأقل الطائفة ثلاثة وقيل إثنان وقيل واحد وقيل أربعة وقيل عشرة
النور :( ٣ ) الزاني لا ينكح.....
ثم ذكر سبحانه شيئا يختص بالزاني والزانية فقال ) الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة (
قد اختلف أهل العلم في معنى هذه الآية على أقوال الأول أن المقصود منها تشنيع الزنا وتشنيع أهله وأنه محرم على المؤمنين ويكون معنى الزاني لا ينكح الوطء لا العقد أي الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا تزني إلا بزان وزاد ذكر المشركة والمشرك لكون الشرك أعم في المعاصي من الزنا ورد هذا الزجاج وقال لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج ويرد هذا الرد بأن النكاح بمعنى الوطء ثابت في كتاب الله سبحانه ومنه قوله ) حتى تنكح زوجا غيره ( فقد بينه النبي ( ﷺ ) بأن المراد به الوطء ومن جملة القائلين بأن معنى الزاني لا ينكح إلا زانية الزاني لا يزني إلا بزانية سعيد بن جبير وابن عباس وعكرمة كما حكاه ابن جرير عنهم وحكاه الخطابي عن ابن عباس القول الثاني أن الآية هذه نزلت في امرأة خاصة كما سيأتي بيانه فتكون خاصة بها كما قاله الخطابي القول الثالث أنها نزلت في رجل من المسلمين فتكون خاصة به قاله مجاهد الرابع أنها نزلت في أهل الصفة فتكون خاصة بهم قاله أبو صالح الخامس أن المراد بالزاني والزانية المحدودان حكاه الزجاج وغيره عن الحسن قال وهذا حكم من الله فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة وروى نحوه عن إبراهيم النخعي وبه قال بعض أصحاب الشافعي قال ابن العربي وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا السادس أن الآية هذه منسوخة بقوله سبحانه ) وأنكحوا الأيامى منكم ( قال النحاس وهذا القول عليه أكثر العلماء القول السابع أن هذا الحكم مؤسس على الغالب والمعنى أن غالب الزناة لا يرغب إلا في الزواج بزانية مثله وغالب الزواني لا يرغبن إلا في الزواج بزان مثلهن والمقصود زجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا وهذا أرجح الأقوال وسبب النزول يشهد له كما سيأتي
وقد اختلف في جواز تزوج الرجل بامرأة قد زنى هو بها فقال الشافعي وأبو حنيفة بجواز ذلك وروي عن ابن عباس وروي عن عمر وابن مسعود وجابر أنه لا يجوز قال ابن مسعود إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدا وبه قال مالك ومعنى ) وحرم ذلك على المؤمنين ( أي نكاح الزواني لما فيه من


الصفحة التالية
Icon