"""""" صفحة رقم ٥١٢ """"""
وأما على قول من فسر الجلود بالفروج فوجه تخصيصها بالسؤال ظاهر لأن ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحا وأجلب للخزى والعقوبة وقد قدمنا وجه إفراد السمع وجمع الأبصار ) قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ( أى أنطق كل شىء مما ينطق من مخلوقاته فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح وقيل المعنى ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله والأول أولى ) وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ( قيل هذا من تمام كلام الجلود وقيل مستأنف من كلام الله والمعنى أن من قدر على خلقكم وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم ورجعكم إليه

فصلت :( ٢٢ ) وما كنتم تستترون.....


) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ( هذا تقريع لهم وتوبيخ من جهة الله سبحانه أو من كلام الجلود أى ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة حذرا من شهادة الجوارح عليكم ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفى من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا ترك المعصية وقيل معنى الاستتار الاتقاء أى ما كنتم تتقون فى الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم فى الآخرة فتتركوا المعاصى خوفا من هذه الشهادة و أن في قوله ) أن تشهد ( فى محل نصب على العلة أى لأجل أن تشهد أو مخافة أن تشهد وقيل منصوبة بنزع الخافض وهو الباء أو عن أو من وقيل إن الاستتار مضمن معنى الظن أى وما كنتم تظنون تشهد وهو بعيد ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون من المعاصي فاجترأتم على فعلها قيل كان الكفار يقولون إن الله لا يعلم ما فى أنفسنا ولكن يعلم ما نظهر دون ما نسر قال قتادة الظن هنا بمعنى العلم وقيل أريد بالظن معنى مجازى يعم معناه الحقيقى وما هو فوقه من العلم

فصلت :( ٢٣ ) وذلكم ظنكم الذي.....


و الإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما ذكر من ظنهم وهو مبتدأ وخبره ) ظنكم الذي ظننتم بربكم ( وقوله ) أرداكم ( خبر آخر للمبتدأ وقيل إن أرداكم فى محل نصب على الحال المقدرة وقيل إن ظنكم بدل من ذلكم والذى ظننتم خبره وأرداكم خبر آخر أو حال وقيل إن ظنكم خبر أول والموصول وصلته خبر ثان وأرداكم خبر ثالث والمعنى أن ظنكم بأن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم وطرحكم فى النار ) فأصبحتم من الخاسرين ( أي الكاملين فى الخسران

فصلت :( ٢٤ ) فإن يصبروا فالنار.....


ثم أخبر عن حالهم فقال ) فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ( أى فإن يصبروا على النار فالنار مثواهم أى محل استقرارهم وإقامتهم لا خروج لهم منها وقيل المعنى فان يصبروا فى الدنيا على أعمال أهل النار فالنار مثوى لهم ) وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ( يقال أعتبنى فلان أى أرضانى بعد إسخاطه إياي واستعتبته طلبت منه أن يرضى والمعنى أنهم إن يسألوا أن يرجع بهم إلى ما يحبون لم يرجع لأنهم لا يستحقون ذلك قال الخليل تقول هكذا وردت فأعتبنى أى استرضيته فأرضانى ومعنى الآية إن يطلبوا الرضى لم يقع الرضى عنهم بل لا بد لهم من النار قرأ الجمهور يستعتبوا بفتح التحتية وكسر التاء الفوقية الثانية مبنيا للفاعل وقرءوا من المعتبين بفتح الفوقية اسم مفعول وقرأ الحسن وعبيد بن عمير وأبو العالية يستعتبوا مبنيا للمفعول فما هم من المعتبين اسم فاعل أى إنهم إن أقالهم الله وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته كما فى قوله سبحانه ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه )
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الطبرانى عن ابن عباس فى قوله ) فهم يوزعون ( قال يحبس أولهم على آخرهم وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى الاية قال يدفعون وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشى وثقفيان أو ثقفى وقرشيان كثير لحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم أترون أن الله يسمع كلامنا هذا فقال الآخران إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإنا إذا لم نرفعه لم يسمعه فقال الآخران إن سمع منه شيئا سمعه كله قال فذكرت ذلك للنبى ( ﷺ )


الصفحة التالية
Icon