"""""" صفحة رقم ١٢٢ """"""
وانتصاب خشعا على الحال من فاعل يخرجون أو من الضمير في عنهم والخشوع في البصر الخضوع والذلة وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن العز والذل يتبين فيها ( يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ) أي يخرجون من القبور وواحد الأجداث جدث وهو القبر كأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر أي منبث في الأقطار مختلط بعضه ببعض
القمر :( ٨ ) مهطعين إلى الداع.....
( مهطعين إلى الداع ) الإهطاع الإسراع أي قال كونهم مسرعين إلى الداعي وهو إسرافيل ومنه قول الشاعر بدجلة دارهم ولقد أراهم
بدجلة مهطعين إلى السماع
أي مسرعين إليه وقال الضحاك مقبلين وقال قتادة عامدين وقال عكرمة فاتحين آذانهم إلي الصوت والأول أولى وبه قال أبو عبيدة وغيره وجملة ( يقول الكافرون هذا يوم عسر ) في محل نصب على الحال من ضمير مهطعين والرابط مقدر أو مستأنفه جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا يكون حينئذ والعسر الصعب الشديد وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين
القمر :( ٩ ) كذبت قبلهم قوم.....
ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدم من الأنباء المجملة فقال ( كذبت قبلهم قوم نوح ) أي كذبوا نبيهم وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وقوله فكذبوا عبدنا تفسير لما قبله من التكذيب المبهم وفيه مزيد تقرير وتأكيد أي فكذبوا عبدنا نوحا وقيل المعنى كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا نوحا بتكذيبهم للرسل فإنه منهم ثم بين سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرد التكذيب فقال ( وقالوا مجنون ) أي نسبوا نوحا إلى الجنون وقوله ( وازدجر ) معطوف على قالوا أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر والدال بدل من تاء الافتعال كما تقدم قريبا وقيل إنه معطوف على مجنون أي وقالوا إنه ازدجر أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه والأول أولى قال مجاهد هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسب وأنواع الأذى قال الرازي وهذا أصح لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وإله وسلم بذكر من تقدمه
القمر :( ١٠ ) فدعا ربه أني.....
( فدعا ربه إني مغلوب فانتصر ) أي دعا نوح على قومه بأني مغلوب من جهة قومي لتمردهم عن الطاعة وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة فانتصر لي أي انتقم لي منهم طلب من ربه سبحانه النصرة عليهم لما أيس من إجابتهم وعلم تمردهم وعتوهم وإصرارهم على ضلالتهم قرأ الجمهور أني ط بفتح الهمزة أي بأني وقرأ ابن أبي إسحاق والأعمش بكسر الهمزة ورويت هذه القراءة عن عاصم على تقدير إضمار القول أي نقال
القمر :( ١١ ) ففتحنا أبواب السماء.....
ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) أي منصب انصبابا شديدا والهمر الصب بكثرة يقال همر الماء والدمع يهمر وهمورا إذا كثر ومنه قول الشاعر أعيني جودا بالدموع الهوامر
على خير باد من معد وحاضر
ومنه قول امرئ القيس يصف عينا راح تمر به الصبا ثم انتحى
فيه بشؤبوب جنوب منهمر
قرأ الجمهور فتحا مخففا وقرأ أبن عامر ويعقوب بالتشديد
القمر :( ١٢ ) وفجرنا الأرض عيونا.....
( وفجرنا الأرض عيونا ) أي جعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة والأصل فجرنا عيون الأرض قرأ الجمهور فجرنا بالتشديد وقرأ أبن مسعود وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالتخفيف قال عبيد بن عمير أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون فالتقى الماء على أمر قد قدر أي التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضى عليهم أي كائنا على حال قدرها الله وقضى بها وحكى أبن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يرد أحدهما على الآخر بل كان ماء السماء وماء