"""""" صفحة رقم ١٦٨ """"""
الوارث ولا يبقى لهم منه شيء وهذا أدخل في التوبيخ وأكمل في التقريع فإن كون تلك الأموال تخرج عن أهلها وتصير لله سبحانه ولا يبقى أحد من مالكيها أقوى في إيجاب الإنفاق عليهم من كونها لله في الحقيقة وهم خلفاؤه في التصرف فيها ثم بين سبحانه فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله فقال ( لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح ) قيل المراد بالفتح فتح مكة وبه قال أكثر المفسرين وقال الشعبي والزهري فتح الحديبية قال قتادة كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك وكذا قال مقاتل وغيره وفي الكلام حذف والتقدير لا يستوي من أنفق من قبل الفتح ( وقاتل ) ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل فحذف لظهوره ولدلالة ما سيأتي عليه وإنما كانت النفقة والقتال قبل الفتح أفضل من النفقة والقتال بعد الفتح لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر وهم أقل وأضعف وتقديم الإنفاق على القتال للإيزان بفضيلة الإنفاق لما كانوا عليه من الحاجة فإنهم كانوا يجودون بأنفسهم ولا يجدون مايجدون به من الأموال والجود بالنفس أقصى غاية الجود والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى من باعتبار معناها وهو مبتدأ وخبره ( أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) أي أرفع منزلة وأعلا رتبة من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم قال عطاء درجات الجنة تتفاضل فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها قال الزجاج لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم وكانت بصائرهم أيضا أنفذ وقد أرشد صلى الله عليه وإله وسلم إلى هذه الفضيلة بقوله فيما صح عنه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وهذا خطاب منه صلى الله عليه وإله وسلم للمتأخرين وصحبة كما يرشد إلى ذلك السبب الذي ورد فيه هذا الحديث ( وكلا وعد الله الحسنى ) أي وكل واحد من الفريقين وعد الله لمثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت درجاتهم فيها قرأ الجمهور وكلا بالنصب على أنه مفعول به للفعل المتأخر وقرأ ابن عامر بالرفع على الإبتداء والجملة بعده خبره والعائد محذوف أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ومثل هذا قوال الشاعر قد أصبحت أم الخيار تدعى
على ذنبا كله لم أصنع
( والله بما تعملون خبير ) لا يخفى عليه من ذلك شيء
الحديد :( ١١ ) من ذا الذي.....
ثم رغب سبحانه في الصدقة فقال ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله فإنه كمن يقرضه والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا قد أقرض ومنه قول الشاعر وإذا جوزيت قرضا فأجزه
إنما يجزى الفتى ليس الجمل
قال الكلبي ( قرضا ) أي صدقة ( حسنا ) أي محنسبا من قلبه بلا من ولا أذى قال مقاتل حسنا طيبة به نفسه وقد تقدم تفسير الآية في سورة البقرة ( فيضاعفه له ) قرأ أبن عامر وأبن كثير ( فيضعفه ) بإسقاط الألف إلا أن بن عامر ويعقوب نصبوا الفاء وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة فيضاعفه بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصما نصب الفاء ورفع الباقون قال أبن عطية الرفع على العطف على يقرض أو الاستئناف والنصب لكون الفاء في جواب الاستفهام وضعف النصب أبو علي الفارسي قال لأن السؤال لم يقع عن القرض وإنما وقع عن فاعل القرض وإنما تنصب الفاء فعلا مردودا على فعل مستفهم عنه لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى كأن قوله ( من ذا الذي يقرض الله ) بمنزلة قوله أيقرض الله أحد ( وله أجر كريم ) وهو الجنة والمضاعفة هنا هي كون الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف على اختلاف الأحوال والأشخاص والأوقات