"""""" صفحة رقم ١٨ """"""
بني إسرائيل وبالوالدين إحسانا فلعل هذه هو وجه اختلاف القراء في هذه الاية وعلى جميع هذه القراءات فانتصابه على المصدرية أي وصيناه أن يحسن إليهما حسنا أو إحسانا وقيل على أنه مفعول به بتضمين وصينا معنى ألزمنا وقيل على أنه مفعول له ( حملته أمه كرها ووضعته كرها ) قرأ الجمهور ( كرها ) في الموضعين بضم الكاف وقرأ أبو عمرو وأهل الحجاز بفتحهما قال الكسائى وهما لغتان بمعنى واحد قال أبو حاتم الكره بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلا التي في سورة البقرة كتب عليكم القتال وهو كره لكم وقيل أن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه وبالفتح ما حمل على غيره وإنما ذكر سبحانه حمل الأم ووضعها تأكيدا لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به والمعنى أنها حملته ذات كره ووضعته ذات كره ثم بين سبحانه مدة حمله وفصاله فقال ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) أي مدتها هذه المدة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع أي يفطم عنه وقد استدل بهذ الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع سنتان أي مدة الرضاع الكامل كما قوله حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك قرأ الجمهور وفصاله بالألف وقرأ الحسن ويعقوب وقتادة والجحدرى ( وفصله ) بفتح الفاء وسكون الصاد بغير ألف والفصل والفصال بمعنى كالفطم والفطام والقطف والقطاف ( حتى إذا بلغ أشده ) أي بلغ استحكام قوته وعقله وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى ولا بد من تقدير جملة تكون حتى غاية لها أي عاش واستمرت حياته حتى بلغ أشده قيل بلغ عمرة ثماني عشرة سنة وقيل الأشد الحلم قاله الشعبي وابن زيد وقال الحسن هو بلوغ الأربعين والأول أولى لقوله ( وبلغ أربعين سنة ) فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد قال المفسرون لم يبعث الله نبيا قط إلا بعد أربعين سنة ( قال رب أوزعني ) أي ألهمني قال الجوهري استوزعت الله فأوزعني أي أستلهمته فألهمني ( أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ) أي الهمني شكر ما أنعمت به على من الهداية وعلى والدى من التحنن على منهما حين وبياني صغيرا وقيل أنعمت على بالصحة والعافية وعلى والدي بالغنى والثروة والأولى عدم تقييد النعمة عليه وعلى أبويه بنعمه مخصوصة ( وإن أعمل صالحا ترضاه ) أي والهمني أن أعمل عملا صالحا ترضاه منى ( وأصلح لى في ذريتي ) أي اجعل ذريتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات وقد روى أنها نزلت في أبي بكر كما سيأتي في آخر البحث ( أني تبت إليك ) من ذنوبي ( وإني من المسلمين ) أي المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك
الأحقاف :( ١٦ ) أولئك الذين نتقبل.....
والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الإنسان المذكور والجمع لأنه يراد به الجنس وهو مبتدأ وخبره ( الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ) من أعمال الخير في الدنيا والمراد بالأحسن الحسن كقوله واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم وقيل إن اسم التفضيل على معناه ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال لا ما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن وليس بأحسن ( ونتجاوز عن سيئاتهم ) فلا نعاقبهم عليها قرأ الجمهور يتقبل ويتجاوز ) على بناء الفعلين للمفعول وقرأ حمزة والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه والتجاوز الغفران وأصله من جزت الشيء إذا لم تقف عليه ومعنى ( في أصحاب الجنة ) أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم فالجار والمجرور في محل النصب على الحال كقولك أكرمني الأمير في أصحابه أي كائنا في جملتهم وقيل إن في بمعنى مع أي مع أصحاب الجنة وقيل إنهما خبر مبتدا محذوف أي هم في أصحاب الجنة ( وعد الصدق الذي كانوا