"""""" صفحة رقم ٣٠ """"""
تحت مطلق الإيمان المذكور قبله تنبيها على شرفه وعلو مكانه وجملة ( وهو الحق من ربهم ) معترضة بين المبتدأ وهو قوله ( والذين آمنوا ) وبين خبره وهو قوله ( كفر عنهم سيئاتهم ) ومعنى كونه الحق أنه الناسخ لما قبله وقوله من ربهم في محل نصب على الحال ومعنى كفر عنهم سيئاتهم أي السيآت التي عملوها فيما مضى فإنه غفرها لهم بالإيمان والعمل الصالح ( وأصلح بالهم ) أي شأنهم وحالهم قال مجاهد شأنهم وقال قتادة حالهم وقيل أمرهم والمعاني متقاربة قال المبرد البال الحال ها هنا قيل والمعنى أنه عصمهم عن المعاصي في حياتهم وأرشدهم إلى أعمال الخير وليس المراد إصلاح حال دنياهم من إعطائهم المال ونحو ذلك وقال النقاش إن المعنى أصلح نياتهم ومنه قول الشاعر فإن تقبلى بالود أقبل بمثله
وإن تدبري أذهب إلى حال باليا
محمد :( ٣ ) ذلك بأن الذين.....
والإشارة بقوله ذلك إشارة إلى ما مر مما أوعد به الكفار ووعد به المؤمنين وهو مبتدأ خبره ما بعده وقيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك بسبب ( إن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ) فالباطل الشرك والحق التوحيد والإيمان والمعنى أن ذلك الإضلال لأعمال الكافرين بسبب اتباعهم الباطل من الشرك بالله والعمل بمعاصية وذلك التكفير لسيئات المؤمنين وإصلاح بالهم بسبب اتباعهم للحق الذي أمر الله إتباعه من التوحيد والإيمان وعمل الطاعات ( كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) أي مثل ذلك الضرب يبين للناس أمثالهم أي أحوال الفريقين الجارية مجرى الأمثال في الغرابة قال الزجاج كذلك يضرب يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين وإضلال أعمال الكافرين يعني أن من كان كافرا أضل الله عمله ومن كان مؤمنا كفر الله سيئاته
محمد :( ٤ ) فإذا لقيتم الذين.....
( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) لما بين سبحانه حال الفريقين أمر بجهاد الكفار والمراد بالذين كفرو المشركين ومن لم يكن صاحب عهد من أهل الكتاب وانتصاب ضرب على أنه مصدر لفعل محذوف وقال الزجاج أي فأضربوا الرقاب ضربا وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بقطعها وقيل هو منصوب على الإغراء قال أبو عبيدة هو كقولهم يا نفس صبرا وقيل التقدير أقصدوا ضرب الرقاب وقيل إنما خص ضرب الرقاب لأن في التعبير عنه من الغلظة والشدة ما ليس في نفس القتل وهي حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأحسن أعضائه ( حتى إذا أثخنتموهم ) أي بالغتم في قتلهم وأكثرتم القتل فيهم وهذه غاية للأمر بضرب الرقاب لا لبيان غاية القتل وهو ماخوذ من الشيء الثمين اسم أي الغليظ وقد مضى تحقيق معناه في سورة الأنفال ( فشدوا الوثاق ) الوثاق بالفتح ويجئ بالكسر اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط قال الجوهري وأوثقه في الوثاق أي شده قال والوثاق بكسر الواو لغة فيه قرأ الجمهور فشدوا بضم الشين وقرأ السلمى بكسرها وإنما أمر سبحانه بشد الوثاق لئلا ينفلتوا والمعنى إذا بالغتم في قتلهم فأسروهم وأحيطوهم بالوثاق ( فإما منا بعد وأما فداء ) أي فإما أن تمنوا عليهم بعد الأسر منا أو تفدوا فداء والمن الإطلاق بغير عوض والفداء ما يفدي به الأسير نفسه من الأسر ولم يذكر القتل هنا أكتفاء بما تقدم قرأ الجمهور فداء بالمد وقرأ ابن كثير فدى بالقصر وإنما قدم المن على الفداء لأنه من مكارم الأخلاق ولهذا كانت العرب تفتخر به كما قال شاعرهم ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم
إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
ثم ذكر سبحانه الغاية لذلك فقال ( حتى تضع الحرب أوزارها ) أوزار الحرب التي لا تقوم إلا بها من السلاح والكراع أسند الوضع إليها وهو لأهلها على طريق المجاز والمعنى أن المسلمين مخيرون بين تلك الأمور


الصفحة التالية
Icon