"""""" صفحة رقم ٣١١ """"""
أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه ليكون ذلك دالا على نبوته قال القرطبي قال العلماء لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان دليل أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى من ارتضى من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكف ويزجر الطين ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه فهو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه وقال سعيد بن جبير إلا من ارتضى من رسول هو جبريل وفيه بعد وقيل المراد بقوله إلا من ارتضى من رسول ) فإنه يطلعه على بعض غيبه وهو ما يتعلق برسالته كالمعجزة وأحكام التكاليف وجزاء الأعمال وما يبينه من أحوال الآخرة لا مالا يتعلق برسالته من العيوب كوقت قيام الساعة ونحوه قال الواحدي وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حادث فقد كفر بما في القرآن قال في الكشاف وفي هذا إبطال للكرامات لأن الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فإيسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضيين بالاطلاع على الغيب وإبطال للكهانة والتنجيم لأن أصحابهما أبعد شيء من الارضاء وادخله في السخط قال الرازي وعندي لادلالة في الآية على شيء مما قالوه إذا لا صيغة عموم في غيبه فتحمل على غيب واحد وهو وقت القيامة لأنه واقع بعد قوله ( أقريب ما توعدون ) الآية فإن قيل فما معنى الاستثناء حينئذ قلنا لعله إذا قربت القيامة يظهره وكيف لا وقد قال يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا فتعلم الملائكة حينئذ قيام القيامة أو هو استثناء منقطع أي من ارتضاه من رسول يجعل بين يديه ومن خلفه حفظة يحفظونه من شر مرده الجن والإنس ويدل على أنه ليس المراد به لا يطلع أحد على شيء من المغيبات أنه ثبت كما يقارب التواتر أن شقا وسطيحا كانا كاهنين وقد عرفا بحديث النبي صلى الله عليه وإله وسلم قبل ظهوره وكانا مشهورين بهذا العلم عند العرب حتى رجع إليهما كسرى فثبت أن الله تعالى قد يطلع غير الرسل على شيء من المغيبات وأيضا أطبق أهل الملل على أن معبر الرؤيا يخبر عن أمور مستقبله ويكون صادقا فيها وايضا قد نقل السلطان سنجر بن ملك شاة كاهنة من بغداد إلى خراسان وسألها عن أمور مستقبلة فأخبرته بها فوقعت على وفق كلامها قال وأخبرني ناس محققون في علم الكلام والحكمة أنها اخبرت عن امور غائبة بالتفصيل فكانت على وفق خبرها وبالغ أبو البركات في كتاب التعبير في شرح حالها وقال فحصت عن حالها ثلاثين سنة فتحققت أنها كانت تخبر عن المغيبات إخبارا مطابقا وايضا فإنا نشاهد ذلك في أصحاب الإلهامات الصادقة وقد يوجد ذلك في السحرة أيضا وقد نرى الأحكام النجومية مطابقة وإن كانت قد تتخلف ولو قلنا إن القرآن يدل على خلاف هذه الأمور المحسوسة لتطرق الطعن إلى القرآن فيكون التأويل ما ذكرنا انتهى كلامه قلت أما قوله إذ لا صيغة عموم في غيبه فباطل فإن إضافة المصدر واسم الجنس من صيغ العموم كما صرح به أئمة الأصول وغيرهم وأما قوله أو هو استثناء منقطع فمجرد دعوى يأباه النظم القرآني وأما قوله إن شقا وسطيحا الخ فقد كانا في زمن تسترق فيه الشياطين السمع ويلقون ما يسمعونه إلى الكهان فيخلطون الصدق بالكذب كما ثبت في الحديث الصحيح وفي قوله إلا من خطف الخطفة ونحوها من الآيات فباب الكهانة قد ورد بيانه في هذه الشريعة وأنه كان طريقا لبعض الغيب بواسطة استراق الشياطين حتى منعوا ذلك بالبعثة المحمدية وقالوا إنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وانا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع