"""""" صفحة رقم ٧٥ """"""
ق :( ١٦ ) ولقد خلقنا الإنسان.....
قوله ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية والمراد بالإنسان الجنس وقيل آدم والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفي والمراد بها هنا ما يختلج في سره وقلبه وضميره أي نعلم ما يخفى ويكن في نفسه ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفي قول الأعشى تسمع للحلى وسواسا إذا انصرفت فاستعمل لما خفى من حديث النفس ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) هو حبل العاتق وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه وهما وريدان من عن يمين وشمال وقال الحسن الوريد الوتين وهو عرق معلق بالقلب وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان أي نحن أقرب إليه من حبل وريده والإضافة بيانية أي حبل هو الوريد وقيل الحبل هو نفس الوريد فهو من باب مسجد الجامع
ق :( ١٧ ) إذ يتلقى المتلقيان.....
ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاما للحجة فقال ( إذ يتلقى المتلقيان ) الظرف منتصب بما في أقرب من معنى الفعل ويجوز أن يكون منصوبا بمقدر هو اذكر والمعنى أنه أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به وما يعمل به أي يأخذان ذلك ويثبتانه والتلقي الأخذ أي نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به وإنما جعلنا ذلك إلزاما للحجة وتوكيدا للأمر قال الحسن وقتادة ومجاهد المتلقيان ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك وقال مجاهد أيضا وكل الله بالإنسان ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ويكتبان أثره ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) إنما قال قعيد ولم يقل قعيدان وهما اثنان لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كذا قال سيبويه كقول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
وقول الفرزدق وأتى وكان وكنت غير عذور أي وكان غير عذور وكنت غير عذور وقال الأخفش والفراء إن لفظ قعيد يصلح للواحد والاثنين والجمع ولا يحتاج إلى تقدير في الأول قال الجوهري وغيره من أئمة اللغة والنحو فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس
ق :( ١٨ ) ما يلفظ من.....
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) أي ما يتكلم من كلام فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه أي أن ذلك اللافظ رقيب أي ملك يرقب قوله ويكتبه والرقيب الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر فكاتب الخير هو ملك اليمين وكاتب الشر ملك الشمال والعتيد الحاضر المهيأ قال الجوهري العتيد الحاضر المهيأ يقال عتده تعتيدا وأعتده اعتدادا أي أعده ومنه وأعتدت لهن متكأ والمراد هنا أنه معد للكتابة مهيؤ لها
ق :( ١٩ ) وجاءت سكرة الموت.....
( وجاءت سكرة الموت بالحق ) لما بين سبحانه أن جميع أعمالهم محفوظة مكتوبة ذكر بعده ما ينزل بهم من الموت والمراد بسكرة الموت شدته وغمرته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ومعنى بالحق أنه عند الموت يتضح له الحق ويظهر له صدق ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث والوعد والوعيد وقيل الحق هو الموت وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي وجاءت سكرة الحق بالموت وكذا قرأ أبو بكر الصديق وابن مسعود والسكرة هي الحق فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين وقيل الباء للملابسة كالتي في قوله تنبت بالدهن أي ملتبسة بالحق أي بحقيقة الحال والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى الموت والحيد الميل أي ذلك الموت الذي كنت تميل عنه وتفر منه يقال حاد عن الشيء يحيد حيودا وحيدة وحيدودة مال عنه وعدل ومنه قول طرفة
أبو منذر رمت الوفاء فهبته وحدت كما حاد البعير عن الدحض


الصفحة التالية
Icon