وقول الآخر:
أبني حنيفة حكموا سفهاءكم...:... إني أخاف عليكمُ أن أغضبا
والمعنى: نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم، فإذا كان اللفظ مشتقًا من المنع والمنع على الله محال؛ لزمك أن تمنع إطلاق حكيم على الله تعالى، فلم يجب الجبائي إلا أنه قال للأشعري: فلم منعت أنت أن يسمى الله عاقلًا وأجزت أن يسمى حكيمًا؟
قال الأشعري: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيمًا لأن الشرع أطلقه ومنعت عاقلًا لأن الشرع منعه ولو أطلقه الشرع لأطلقته (١).
وقال ابن حزم: (لا يجوز أن يسمى الله تعالى ولا أن يخبر عنه إلا بما سمَّى به نفسه أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله< أو صحَّ به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقن ولا مزيد، وحتى وإن كان المعنى صحيحًا فلا يجوز أن يطلق عليه تعالى اللفظ وقد علمنا يقينا أن الله عز وجل بنى السماء، قال تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الذاريات/٤٧، ولا يجوز أن يسمى بناء، وأنه تعالى خلق أصباغ النبات والحيوان، وأنه تعالى قال: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة/١٣٨، ولا يجوز أن يسمَّى صباغًا وأنه تعالى سقانا الغيث ومياه الأرض ولا يسمى سقاءً ولا ساقيًا، وهكذا كل شيء لم يسم به نفسه) (٢).
وقد ثبت من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ " أن رَسُولَ اللهِ < قال: (لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك) (٣)، وهذا دليل على أن معرفة ما أثنى الله به على نفسه لا بد فيها من طريق سمعي منقول إلينا بالخبر الثابت الصحيح.
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل، لأبي محمد بن حزم الظاهري ٢/١٠٨، ٣/٤٣
(٣) سبق تخريجه.