مثال آخر: يثبت المحصي للأسماء الحسنى - كذلك - اسم (العليم)، ويفهم معناه وهو: الذى أحاط علمه بكل شئ، يعلم ما كان، وما يكون، وما لم كان لو كان كيف يكون، ويعلم الواجبات والممتنعات والجائزات، وما في أقطار العالم العلوي والسفلي، قال تعالى: ﴿ِوَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ الأنعام/٥٩، وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ طه/٧.
إن فهم معاني أسماء الله - سبحانه وتعالى - والتفكر فيها، ولا يعني - على أية حال - التفكر في ذات المولى - - عز وجل -، لأن هذا أمر منهي عنه، أما فهم معاني أسماء الله والتفكر فيها فهو داخل في معاني ما أخبر الله، وهو مأمور به شرعًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله -: "الخالق - جل جلاله -، - سبحانه وتعالى - ليس له شبيه ولا نظير، فالتفكر الذى مبناه القياس ممتنع في حقه، وإنما هو معلوم بالفطرة، فيذكره العبد، وبالذكر وبما أخبر به عن نفسه: يحصل للعبد من العلم به أمور عظيمة لا تنال بمجرد التفكير والتقدير - أعني من العلم به نفسه، فإنه الذى لا تفكير فيه. فأما العلم بمعاني ما أخبر به، ونحو ذلك: فيدخل فيها التفكير والتقدير، كما جاء به الكتاب والسنة " (١).
والأسماء الحسنى هى مما أخبر الله به عن نفسه - - سبحانه وتعالى - - في كتابه الكريم، وأخبر به رسوله < في سنته عن ربه العظيم.
ويُبرز سلطان العلماء العز بن عبد السلام -: - أهمية فهم ومعرفة أسماء الله الحسنى فيقول: " فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء، والمهابة، والمحبة والتوكل....." (٢).
إن من فهم معاني الأسماء الحسنى الإيمان بآثارها، وذلك يتضمن الإيمان بأن للأسماء الحسنى أثارًا في الخلق والأمر تقتضيها اقتضاء الأسباب لمسبباتها، بل لكل

(١) مجموع الفتاوى (٤/٤٠).
(٢) شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال ص٧٢.


الصفحة التالية
Icon