ومنها ما يفسر بعضها بعضًا سواء في الموضع نفسه مثل قوله تعالى ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ غافر/٦٠، أو أن يفسر بعضها بعضًا في مواضع أخرى مثل: كل ما ورد من ذكر دعاء المشركين لأصنامهم وآلهتهم، فالمراد به دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة، مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ الحج/٧٣، وقوله تعالى: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً﴾ النساء/١١٧، وقوله تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ﴾ فصلت/٤٨، فالدعاء في هذه الآيات فسر في مواضع أُخر بأنه العبادة، مثل قوله تعالى ﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ الشعراء/٩٢ -٩٣، وقوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ الأنبياء/٩٨، وقوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الكافرون/١-٢.
إن دعاء العبادة يقتضي أن يتعبد العبد لله - - سبحانه وتعالى - - بمقتضي الأسماء.
إنه لا يتم إيمان العبد بالأسماء الحسنى وإحصاؤه لها إلا بأن تؤثر عليه هذه الأسماء في عبوديته الظاهرة والباطنة، فإذا علم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة، يثمر له عبودية التوكل عليه باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا. وكذلك فإن علم العبد بسمع الله وعلمه وبصره، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي.
إن الله - - سبحانه وتعالى - - يحب الاتصاف بموجب أسمائه، فهو سبحانه وتعالى (شكور) يحب الشاكر، (وعليم) يحب كل عالم، و (وتر) يحب الوتر، و (جميل) يحب الجمال، و (عفو) يحب العفو وأهله، و (بَرٌّ) يحب الأبرار، و (حليم) يحب أهل الحلم، ولمحبته سبحانه للتوبة والمغفرة، والعفو والصفح: خلق من يغفر له ويتوب عليه، ويعفو عنه، وقدر عليه ما يقتضي وقوع المكروه والمبغوض له، ليترتب عليه


الصفحة التالية
Icon