وهل الرحمن اسم أم نعت؟
قال ابن القيم -: -:
استبعد قوم أن يكون الرحمن نعتًا لله من قولنا: بسم الله الرحمن الرحيم وقالوا الرحمن علم، والأعلام لا ينعت بها. ثم قالوا: هو بدل من اسم الله قالوا: ويدل على هذا أن الرحمن علم مختص بالله لا يشاركه فيه غيره، فليس هي كالصفات التي هي العليم والقدير والسميع والبصير، ولهذا تجري على غيره تعالى. قالوا: ويدل عليه أيضًا وروده في القرآن غير تابع لما قبله كقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) طه / ٥، (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ) الرحمن / ٢، (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ) الملك / ٢٠، وهذا شأن الأسماء المحضة، لأن الصفات لا يقتصر على ذكرها دون الموصوف.
قال السهيلي: والبدل عندي فيه ممتنع، وكذلك عطف البيان لأن الاسم الأول لا يفتقر إلى تبيين، فإنه أعرف المعارف كلها وأبينها. ولهذا قالوا: وما الرحمن ولم يقولوا: وما الله، ولكنه وإن جرى مجرى الإعلام فهو وصف يراد به الثناء، وكذلك الرحيم إلا أن الرحمن من أبنية المبالغة كغضبان ونحوه، وإنما دخله معنى المبالغة من حيث كان في آخره ألف ونون كالتثنية. فإن التثنية في الحقيقة تضعيف وكذلك هذه الصفة فكأن غضبان وسكران كامل لضعفين من الغضب والسكر فكان اللفظ مضارعاً للفظ التثنية لأن التثنية ضعفان في الحقيقة، ألا ترى أنهم أيضًا قد شبهوا التثنية بهذا البناء إذا كانت لشيئين متلازمين. فقالوا: الحكمان والعلمان وأعربوا النون كأنه اسم لشيء واحد. فقالوا: اشترك باب فعلان وباب التثنية. ومنه قول فاطمة: يا حسنان يا حسينان برفع النون لابنيها ولمضارعة التثنية امتنع جمعه فلا يقال غضابين، وامتنع تأنيثه فلا يقال غضبانة، وامتنع تنوينه كما لا ينون نون المثنى فجرت عليه كثير من أحكام التثنية لمضارعته إياها لفظاً ومعنى. وفائدة الجمع بين الصفتين الرحمن والرحيم الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلة وخاصة وعامة تم كلامه.


الصفحة التالية
Icon