عليهم، فإنهم إذا قصروا عاد النقص والضرر الدنيوي على الملاك، ولهذا كثير من الملاك لولا هذا الوازع الطبيعى النفعي لأهملوا ملاكهم وبهائمهم، ولكن المصلحة الدنيوية وخوف الضرر على أنفسهم ألجأتهم إلى ذلك رحمةً من الله وجودًا وكرمًا.
الوجه الثاني: أن الملاك إذا احتسبوا في نفاقتهم على ما يملكون ونوي القيام بالواجب ورحمة المملوك والبهيمة، أثابهم الله وكفَّر بها عن سيئاتهم وزاد في حسناتهم وأنزل لهم البركة في هذه المماليك، فإن كل شئ دخلته النية الصالحة والتقرب إلى الله لابد أن تحل فيه البركة. كما أن من أهمل مماليكه وبهائمه وترك القيام بهم فاستحق العقاب.
وكل هذا من آثار الرحمة التي اشتملت عليها الشريعة الكاملة ولهذا نزع البركة منها، فكم حبس وقطع رزق من يملكه، قطع الله عنهم الرزق؛ من آوى إلى ظلها الظليل فهو المرحوم، ومن خرج عنها فهو الشقي المحروم.
لقد وسعت هذه الشريعة بحكمتها وعدلها العدو ولقد لجأ إلى حصنها الحصين كل موثق رشيد ولقد قامت البراهين أنها من أكبر الأدلة على أنها من عند العزيز الحميد، كيف لا يكون ذلك وأكبر من ذلك وقد شرعها البّر الرحيم العليم الكريم الرءوف الجواد ذو الفضل العظيم سبحانه وتعالى.
شرعها الذى هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل رحمة جميع الوالدين وحنانهم جزءً يسيرًا جدًا جدًا جدًا من رحمة الله التي أنزل بين عباده رحمة واحدة وأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة فبها تترحم الخليقة كلها، حتى أن البهائم والسباع الضارية لتعطف على أولادها وتحنو عليهم حنوًا لا يمكن وصفه فلا يمكن للواصفين أن يعبروا عن جزء يسير جدًا من رحمة الله التي بثها ونشرها على العباد فتبًا لمن خرج عن رحمة الله التي وسعت كل شئ وزهد بشريعته واستبدل عن هذا المورد السلسبيل بالمرِّ الزُعاف والعذاب الوبيل، طوبى لمن كان حظه وافر من رحمة الله، ويا سعادة من ارتبط بكرم الله وسلك كل سبيل ووسيلة توصله إلى الله علمًا وعملًا وإرشادًا ونصحًا ودعوةً وإحسانًا إلى عباد الله فإنه تعالى لما ذكر أن رحمته وسعت