وقال ابن السبكي: أنا أدعو القاضي أبا بكر إلى المباهلة، هل قطعه بأن البسملة ليست من القرآن، كقطعه بأن التعوذ ليس من القرآن؟ ! ونحن نجل مقداره عن أن يدعي ذلك (١).
ويُمكن الجواب من قبل القاطعين بالنفي، كابن الحاجب: بأن عدم التكفير إنَّمَا هو لقوة الشبهة من الجانبين؛ جانب النفاة وجانب المثبتين (٢).
ثانيًا: وقوع الخلاف في قرآنيتها، في عصر الصحابة، حتى قال ابن عباس - رضي الله عنه - عندما ترك بعض الصحابة قراءتها في أول السورة:) سرق الشيطان من الناس آية من القرآن) (٣) ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، قوله ذلك، فدل هذا على أنها اجتهادية (٤).
وأُجيب عن هذا: بأنه استدلال ظني، ولايقوى على مقابلة القطعي، وهو: أنها لو كانت قرآناً لتواترت (٥).
فإن قيل: فما الفصل في هذه المسألة، وقد اعترض كل فريق على أدلة خصمه؟.
قلتُ: هذا دليل آخر، يرجح القول بأنها ظنية، فلو كانت قطعية، لما وصل الخلاف فيها إلى هذه المنْزلة؛ بخاصة إذا علمنا أن القطع، والظن مِمَّا يختلف فيه الناس، بحسب ما يصل إليهم، من الأدلة، وبحسب قدرة كل منهم، على الاستدلال، فكون المسألة قطعية، أو ظنية، هو أمر إضافي، بحسب حال الناظر، المستدل، المعتقد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (٦).

(١) رفع الحاجب. ٩٠ / ٢
(٢) انظر: منتهى الوصول والأمل ص. ٣٣
(٣) الأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٥٠ / ٢ عن عمر بن ذر عن أبيه عن ابن عباس، وهو منقطع.
(٤) انظر: المستصفى ١٠٤ / ١، والإحكام ١٦٣ / ١.
(٥) انظر: منتهى الوصول والأمل ص ٣٣، وبيان المختصر ٠ ٤٦٦ / ١
(٦) مجموع الفتاوى ٢١١ / ١٩ بتصرف.


الصفحة التالية
Icon