وجعلها الفراء التي تدخل في المبيع والمشتري؛ فإن ذلك أكثر ما يأتي في الشيئين لا يكونان ثمنًا معلومًا، مثل الدنانير والدراهم، فمن ذلك اشتريت ثوبًا بكساء، أيهما شئت تجعله ثمنًا لصاحبه؛ لأن هذا ليس من الأثمان.
وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدور وجميع العروض فهو على هذا، فإن جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن.
قال تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) يوسف/٢٠، وقال تعالى (اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) التوبة/٩، وفي قوله تعالى (اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ) البقرة/٨٦، وقوله تعالى (اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ) البقرة/١٧٥، فأدخل أي هذين شئت، ومتى تصير إلى الدراهم والدنانير، فإنك تدخل الباء فيهن مع العروض، في أيهما شئت إذا اشتريت أحدهما بصاحبه (١).
وجعلها ابن هشام للمقابلة في قوله تعالى (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل/٣٢، مخالفًا لقول المعتزلة، ودلل بالحديث الشريف «لاَ يَدْخُلُ أَحَدُكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» ؛ لأن المعطى بعوض قد يعطى مجانًا، أما المسبب فلا يوجد بدون العمل وقد تبين أنه لا تعارض بين الآية والحديث لاختلاف محمل البائين جميعًا في الأدلة (٢).
وكلام ابن هشام يفيد أن الباء في الآية جاءت بمعنى المقابلة وهي غير السبب، فكان دخول الجنة تعويضًا منه - سبحانه وتعالى - عمّا عمله المؤمنون من أعمال طيبة، والباء في الحديث جاءت للسبب، وفيه نفي دخول المؤمن الجنة بسبب عمله، لأنه مهما قدم من أعمال صالحة لا تكون هذه الأعمال سببًا في دخوله الجنة، لأنها أكثر من ذلك وباختلاف معنى البائين في الآية والحديث زال الخلاف بينهما وبطل العجب، والله اعلم.

(١) معاني القرآن ١/٣٠
(٢) مغني اللبيب ١/١٢١، والحديث أخرجه أحمد (٧٦٨٨)


الصفحة التالية
Icon