الدليل الرابع: أنّ أهل العدد مجمعون، على ترك عدها آية بنفسها من كل سورة، فلو كانت آية من القرآن الكريم لعدوها (١).
وأُجيب عنه بجوابين:
الأول: أنّ أهل العدد ليسوا جميع الأمة، لكي يكون إجماعهم حجة؛ بل هم بعض الأمة، ولم يعدوها؛ إمَّا لاعتقادهم أنها مع أول السورة آية، فتكون بعض آية، أو لأن بعضهم يجحد قرآنيتها مطلقاً، وبعضهم يراها بعض آية.
الثاني: أنّ هذا الدليل معارض بما ورد عن ابن عباس وغيره من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية (٢).
الدليل الخامس: أنّ مسجد رسول الله - ﷺ - بالمدينة انقضت عليه العصور ومرت عليه الأزمنة والدهور، من عصر رسول الله - ﷺ - إلى عصر مالك: ولم يقرأ أحد فيه قط بسم الله الرحمن الرحيم تباعاً للسنة، فكان ذلك إجماعًا من أهل المدينة (٣).
وأُجيب: بمنع الإجماع، بل قد اختلف أهل المدينة في ذلك، بدليل قصة معاوية - رضي الله عنه - حين تركها في الصلاة، فأنكر عليه الصحابة من المهاجرين والأنصار، فرجع إلى الجهر بها (٤).

(١) انظر: الضياء اللامع شرح جمع الجوامع. ٣٣ / ٢
(٢) انظر الجوابين في: المجموع الموضع السابق. ولم أقف على تخريج الأثر.
(٣) انظر: أحكام القرآن لابن العربي ٣ / ١، والجامع لأحكام القرآن. ١٣٢ / ١
(٤) انظر: أحكام القرآن للجصاص ١٥ / ١، والمجموع شرح المهذب ١٤٠ / ٣، وتفسير ابن كثير١/١٦. وأما قصة معاوية رضي الله عنه، فقد أخرجها الحاكم في المستدرك ٢٣٣ / ١ كتاب: الصلاة، باب: التأمين حديث: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ:" صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، للسورة التي بعدها، حتى قضى تلك القراءة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان: يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين هوى ساجد". ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم؛ فقد احتج بعبد المجيد بن عبدالعزيز، وسائر الرواة متفق على عدالتهم ووافقه الذهبي.


الصفحة التالية
Icon