المطلب السابع في القول المختار
من المقرر عند جماهير العلماء: أنه متى أمكن الجمع بين المتعارضين، تعين المصير إليه، لما فيه من إعمال المتعارضين جميعاً، ولو من وجه، فهو أولى من إهمال أحدهما بترجيح الآخر عليه.
لهذا فالمختار لديّ: أنّ البسملة، آية مستقلة، من القرآن الكريم، كسورة قصيرة جاءت للفصل بين سور القرآن، ليست من أول الفاتحة، ولا من غيرها، وهي مع ذلك آية عملًا، لا علمًا؛ أي حكمًا لا قطعًا، وذلك لما يلي:
أولًا: أنّ القول الأول والثالث قد اتفقا على أنها آية، خلافًا للثاني - قول المالكية - القائل بأنها ليست آية مطلقًا، وإمَّا هي للتبرك، وقد سبقت أدلة كل فريق للدلالة على قوله.
فإذا حملنا القولين الأول والثالث على أنها آية عملًا لا علمًا، وهو ما صرح به المحققون من الشافعية، ولم يصرح أصحاب القول الأول بخلافه.
وحملنا قول المالكية وأدلتهم الدالة على النفي؛ على نفي كونها آية علم وقطعًا، كان ذلك ممكنًا، وفيه إعمال لأدلة القوم جميعًا، وخلصنا إلى أنها آية عملًا، لا علمًا فبهذا يزول الإشكال، وتزول شبهة التكفير من الجانبين، كما قال الزركشي (١).
ثانيًا: وإذا نظرنا إلى ما سبق؛ وهو: أنها آية عند الجميع عملًا، لا علمًا، فهل هي مع ذلك آية واحدة للفصل بين السور، أم أنها آية في أول كل سورة؟.
الذي اجتمعت عليه الأدلة كما قال الزيلعي: أنها آية للفصل بين السور، وهو قول المحققين من أهل العلم (٢)، بل أعدل الأقوال، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (٣).

(١) انظر: تشنيف المسامع ٣١٠ / ١.
(٢) انظر: نصب الراية ٣٢٧ / ١.
(٣) انظر مجموع الفتاوي ٠ ٤١٨ / ١٣


الصفحة التالية
Icon